يوم عزة وتمكين، يوم مغفرة وتطهير، يوم شكر وتحدث بالنعم.. ما أعظم معانيه! وما أكبر عظاته! لك فيه أيها المؤمن وقفات لا ينقطع نفعها ومعين لا ينضب صفاؤها، ورؤى تقر لها العين أفسح ما تكون رحابة وسعة.. ودع عنك دعاوى أقوام أحدثوا فيه أقوالاً وأفعالاً ما أنزل الله بها من سلطان، فقف.. وتفكر.. وسر بيقين دربك إلى موعود ربك، واعلم أن الأيام شواهد، فاستوقفها تنطلق لك ملء سمعك وفؤادك.
1- فستنطلق شهادة هذا اليوم ليحدثك.. أن العاقبة لمن اتقى، وأن نصر الله لأوليائه قريب، وأن الكافر وإن غرته مهلة الزمان، وركن إلى قوة رآه بها الأغلب والأظهر فقال {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} فإن أمره إلى بوار، وقوته إلى صغار، ومنظور عينه سراب ما قاده إلا إلى هلكة وعذاب. ففرعون رأى في قوته وملكه ما دعاه أن ينادي ويقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، فإذا عاقبة لم يحسب لها حساباً صار بها أسفل ما تكون أرضاً، وما استطاع أن يعلو حتى على الماء الذي تعلوه أضعف الكائنات خلقة.
2- هذا اليوم يحدثك.. أن النعم حين لا يقارنها الشكر فهي مهددة بالزوال؛ فبالشكر تدوم النعم وتزيد، فلما كانت النجاة لموسى عليه السلام في هذا اليوم، سارع بالشكر والتحدث بالنعمة بأن صام ذلك اليوم لله تعالى ولذلك أيضاً صامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
3- هذا اليوم يحدثك.. أن الولاء معقود بين المؤمنين بإيمانهم وإن تباعد أمد الزمان، وامتد طرف المكان، وأن الكافرين لا حظ لهم في ذلك الولاء وإن ادعاه من ادعاه بهتانا وزورا، فاليهود وإن جمعهم مع موسى نسبهم من بني إسرائيل، إلا أن الأحق به ولاء واتباعاً هم المؤمنون الصادقون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود يصومون عاشوراء: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه. متفق عليه.
4- هذا اليوم يحدثك.. أنك من أمة لها من المكانة أسماها، وأن التطلع إلى بضاعة مخالفيها دنو تذل به النفس وتضيق به النظرة فكان على أفرادها اجتناب التشبه بأعدائها؛ إبقاء للتميز وحفاظاً على سمو المكانة؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة أهل الكتاب في صيام هذا اليوم بأن يصام التاسع معه.
5- هذا اليوم يحدثك.. بأنه يوم صوم، له فضائل الصوم التي لا تخفاك، وأخرى تحبها النفس أن يكفر ما مضى من أيام سنتك المنصرمة، وأنت قريب عهد بها وما تدري كم من مثقال قد كتب عليك! فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشورا فقال: (يكفر السنة الماضية) رواه مسلم.
6- وأخيرا.. فهذا اليوم هو عاشر عشرة من أيام سنة تبدأ معها مرحلة من مراحل حياتك وأنت لا تدري متى تنقضي عليك، فلتكن بداية طريقك في كل مرحلة مسارعة في الخيرات، وقربات تتطلع بها إلى رضوان ربك، وما عداه لأهل محبته من منازل علا.
وفقنا الله لهداه، وجعل عملنا في رضاه، وجعل عيشنا في الدارين أطيبه وأزكاه. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.