إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على ما أصاب الحسين رضي الله عنه لمحزونون. لقد مر على أمتنا أحداث جسام، نشأ على أثرها انحرافات فكرية أضعفت سيرنا وشوهت صورتنا وسخر بنا غيرنا ونفرت منا قلوب من أحب عقيدتنا في زمن المرئيات التي تعرض كل حادثة وتصوّر كل نازلة.. من هذه الأعمال التي انطلقت من عواطف أُثيرت وكوامن استُثيرت تاركة النصوص والعقول الناهية عن لطم الخدود وشق الجيوب. لقد أسرفت طوائف في يوم عاشوراء من إظهار الحزن والبكاء وضرب الرؤوس، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين رضي الله عنه لأنه قُتل عطشاناً ... إلخ.
وعلى العكس من ذلك النواصب الذين يجعلون يوم عاشوراء يوم عيدٍ، يطبخون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون الفرح والسرور، يريدون بذلك عناد هؤلاء ومعاكستهم، ولا أدري أيوجد منهم أحد في وقتنا هذا أم لا؟؟
وأما أهل الاعتدال، أهل الحق القديم فهم وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فلا هم يضربون الخدود ولا هم يظهرون الفرح والسرور، ولكنهم يصومون عاشوراء اقتداءً بجد الحسين محمد صلى الله عليه وسلم (لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه). كان مقتل الحسين رضي الله عنه مؤلماً لكل مسلم ومحزناً لكل مؤمن، يقول ابن كثير - رحمه الله: (فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه؛ فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي هي أفضل بناته، وقد كان عابداً وشجاعاً وسخياً) ا.هـ.
والعجب أنهم يذكرون مقتله ولا يذكرون مقتل أبيه، فإن أباه (علي بن أبي طالب رضي الله عنه) قُتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة (40هـ)، وكذلك عثمان رضي الله عنه قُتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة (35هـ)، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قُتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الصديق لم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتماً.. وقد بالغ من زعم أن الشمس كُسفت يوم مقتل الحسين رضي الله عنه حتى بدت النجوم، وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وأن أرجاء السماء احمرت، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضهاً، وأمطرت السماء دماً أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ، ولو حصل هذا لحصل لمن هو أفضل منه من الأنبياء والرسل (كيحيى بن زكريا).
كما ينبغي لأولئك الذين جعلوا عاشوراء مأتماً أن يعلموا أن الله انتقم في يوم عاشوراء من السنة السابعة والستين (67هـ) أي بعد مقتل الحسين بستة أعوام من عبيدالله بن زياد ابن أبيه (قاتل الحسين) حيث قُتل في وقعة الخازر، قتله إبراهيم بن الأشتر النخعي، ضربه بالسيف فقده نصفين، شرقة رجلاه وغربة يداه، ثم نصب رأسه بين الرؤوس فجاءت حية تتخلل الرؤوس ودخلت في رأس عبيدالله بن زياد تأكل منه، فعلت ذلك ثلاث مرات، يقول ابن كثير (فإنه قَلّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الجنون).
وهذا انتقام الله له في الدنيا، وللآخرة أشد عذاباً وأبقى.
والسلام على الحسين يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حياً.
ولعنة الله على قاتليه في الدنيا والآخرة.
مدير إدارة الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة المجمعة
fh3300@hotmail.com