كلمات اختلطت بالعبرات والدموع، خرجت من فيه جدي بعد أن جاءه الخبر الأليم بوفاة جدتي، مساء يوم الاثنين الموافق للرابع والعشرين من ذي الحجة، قالها بعد أن خرج من غرفته يجر قدميه من هول المصيبة ذاهباً إلى مكان اجتماع أبنائه الذين تعالى صوتهم بالبكاء عند سماعهم للخبر، لقد كانت فاجعة وأي فاجعة أصابتنا في تلك الشجرة التي طالما اجتمعنا حولها ننعم بظِلها وحنانها وعطفها.
فقد مرت عليها سنون من آلام المرض تصل إلى سبع عشرة سنة، لكنها عندما ماتت موتة طبيعية في حِجر ابنتها الكبرى التي قامت على خدمتها طوال تلك السنين، وابنها الأكبر الذي كان يهتم بمواعيدها الطبية.
فبوفاتها فقدنا عِطراً كان شذاه يعُمُ أرجاء ذلك المنزل، اشتقنا إلى تلك الرائحة التي كلما أتينا إلى منزلها استمتعنا بها، فقد كانت صاحبة القلب الكبير الذي يتسع لجميع معارفها الذين ما إن جاءهم الخبر حتى ذكروا محاسنها وهم يبكون أفضالها عليهم وعلى أبنائهم وعلى كل من يحتاج إليها.. لكن بعد أن علمنا بأعمالها الخيّرة التي كانت تخفيها في حياتها لم نستغرب ذلك النور الذي كان يشع في وجهها بعد تغسيلها وتكفينها، وكثرة المصلين عليها والمعزين فيها.
نعم إنها تلك الجدة التي بكى عليها حتى خدمها، وتساءل على تغيُّبها من منزلها حتى الأطفال الصغار.. فقد جعلنا الله نعيش معها فترة من الزمن ليسعد كل من عرفها برفقتها وحنانها، ثم اصطفاها مع من اصطفاهم من الأخيار، حتى لا تكون من الشرار الذين تقوم الساعة عليهم.
فمصابنا فيها جلل وإن هوَّن علينا صلاح العمل.. رحِمك الله (حَبَّابتي) فقد كُنت أماً للجميع.