Al Jazirah NewsPaper Friday  09/01/2009 G Issue 13252
الجمعة 12 محرم 1430   العدد  13252
الإدارة في الجامعة فن وقيادة أم روتين وسيادة؟
د. زايد بن عجير الحارثي

 

حتى لا يكون العنوان مضللاً أستميحك القارئ بالبدء بتعريف المقصود بالإدارة في الجامعات، هل المقصود هو مدير الجامعة؟ أم العمداء؟ أم مديرو الإدارات؟ أم رؤساء الأقسام؟ أم المقصود بها الإدارة العامة للشئون المالية والإدارية بالجامعات؟ أم ماذا؟.

إنها في نظري منظومة الإدارة بمفهومها الشامل أي بتبسيط الأمر إنها الجانب الإداري في العملية التعليمية في الجامعات وتشمل السلطات الإدارية المتاحة لأصحاب المناصب أو الأعمال السابقة (كل من يقوم بعمل إداري يخص الطالب أو الأستاذ أو الموظف في الجامعة) من حيث التسجيل والإضافة والمكافآت والرواتب والانتداب والسكن والإعارة وتنظيم الجلسات والتفرغ العلمي وأمور البحث العلمي وحساب الإجازات ومكافآت أعضاء هيئة التدريس في اللجان وإجراءات الترقيات العلمية والتعيين والإعلانات عن وظائف أو مسابقات وظائف أو ترشيحات أو تعبئة استمارات أو نماذج أو حراسات أو اتصالات أو بريد صادر ووارد أو أي نمط من أنماط الأعمال الروتينية المسهلة لاستمرارية العمل الأكاديمي والوظيفي للجامعة، مثلها مثل بقية الأعمال الإدارية الأخرى المسهلة الميسرة لاستمرارية أعمال المصالح والدوائر الحكومية الأخرى وزيادة على ذلك تشمل الإدارة في الجامعة من يقوم بالإشراف والإدارة على تصميم وتخطيط البرامج والمناهج الدراسية والبحثية.

فهل تلك هي كل الأعمال الإدارية أو مفهوم الإدارة في الجامعات؟

إنها أكبر من ذلك بكثير، إنها بالإضافة إلى ما سبق تمثل كيفية تيسير واختصار وتبسيط العلاقات والاتصالات وتنظيمها داخل مؤسسة الجامعة وخارجها وخدمة العمل الأساسي للجامعة في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع والارتقاء بتلك الوظائف وتسخير الإمكانات من خلال السلطة والصلاحية المخولة للإنجاز والإبداع والمبادرة، ويأتي على رأس هرم التغيير والتطوير والارتقاء الإدارة العليا في الجامعة والتي تشمل (مدير الجامعة ووكلاءه وجهازه الإداري) فهم أساس حل المشكلات واتخاذ القرارات وإحداث التغيير في كافة مستويات الإدارة في الجامعة. بل هم القادرون على تذليل الصعاب والعقبات وعمل المبادرات والبحث للارتقاء بالإجراءات والأساليب التي تجعل من الرضا بين الطلاب والأساتذة في تحقيق حاجاتهم ومتطلباتهم وتحفيزهم وتشجعهم ومكافآتهم على الإنجاز والإبداع هدفاً استراتيجياً ومثل هذا النوع من الإدارة لا يكتفي بتشجيع الإنجاز البناء والإبداع من قبل المنسوبين، بل يفرح ويسر بتحقيق النجاحات ويعتبر أي نجاح هو مفخرة للجميع و الكل يعيش في بيئة واحدة، متعاونة منتجة آمنة مطمئنة.

كما أن الإدارة العليا في الجامعة (أي جامعة) هنا ترتبط بمفهوم القيادة على اعتبار أنها تقود مسيرة العمل الجامعي تخطيطاً وتنفيذاً ومتابعة وتنظيماً. وهو ما عنيناه في عنواننا.

ومدخلنا المنطقي في هذا المقال يترتب على طرح السؤال الآن وهو هل الإدارة في جامعاتنا فعالة وقادرة على قيادة التحول والتغيير والتطوير المرغوب للدخول في مجتمع المعرفة وذلك في ضوء الإمكانات الهائلة المتاحة، وهل هي بالمستوى المطلوب واللائق من حيث الفن والقيادة أم هي مجرد فرصة للسيادة وتحقيق المصالح الشخصية ومن ثم القيام بإدارة الجامعة وتسيير أعمالها بشكل روتيني لا يختلف عن أي قطاع آخر؟إنه للإجابة على هذا السؤال الكبير الهام دعني أيها القارئ أن أحاول تصنيف أشكال إدارات الجامعات (في مستوياتها المختلفة) في الجامعات السعودية إلى عدة أصناف معتمداً في ذلك على بعض التقارير العلمية التي توصلت إليها بعض الأبحاث والدراسات أو من التقارير التي تنشر من خلال الجامعات نفسها ومن التقارير العالمية الخاصة بمخرجات الجامعات وتقييمها لها ومن انطباعات وخبرات المنسوبين لهذه الجامعات من أعضاء هيئة التدريس وإداريين فهناك في نظري ثلاثة أنماط من هذه الإدارات.

أولاً: هناك نمط من الإدارة في الجامعات يقوم على فلسفة وميكانيكية يطغى عليها الطابع الشخصي الارتجالي التسلطي ويؤول الأمر فيها إلى الفوضى والتعقيد في تسيير الإجراءات والمصادقات والموافقات على الاقتراحات أو التوصيات القادمة من الأقسام والكليات والمعاهد والثقة بين الإدارة العليا مع المرؤوسين شبه معدومة، بل إن التواصل مع التنفيذيين معدم ومحبط للمرؤوسين بنتيجة الاستحواذ والتسلط ونتيجة سوء الثقة وعدم توزيع الصلاحيات، وهنا نجد أن العمل الإداري في مثل هذا النمط من الإدارة يطغى عليه التمسك بحرفية اللوائح لكل مسؤول إداري في تنفيذ السياسات وإجراء الأعمال الروتينية والخوف والحذر من المبادرات التي لن تلقى أذناً صاغية أو تشجيعاً ممن يملك القرار والسلطة ذلك من منطلق من خاف سلم. إنها فلسفة إدارية روتينية عقيمة وبكل أسف تلاحظ وتمارس في بعض جامعاتنا كما هو الحال في بعض القطاعات الحكومية. إن الناتج لمثل هذه الممارسات الإدارية هو بكل تأكيد بطء في التنفيذ للخطط ضعف في الإنتاج وعدم رضا من المنسوبين فضلاً عن فساد مالي أو إداري أو كليهما، وكذلك نجد في ضوء هذا النمط الإداري عدم اهتمام بالمناهج والطلاب والأبحاث إلا كما يتم في المدارس الثانوية.

إن ما يهتم به من هو في رأس الهرم بالدرجة الأولى بالتواصل والدعاية الاجتماعية والإعلامية أكثر من الاهتمام بالبيئة الداخلية والنهوض برسالة الجامعة وتحسين المناخ العام فيها، بل إن هذا النمط من الإدارة يعيق الإبداعات والإنجازات لمن هم دونهم في السلطة ويعتبرون أي نجاح للآخرين عداء لهم.

ثانياً: وهناك نمط آخر من الإدارة في الجامعات يقوم على وجود طاقات وكوامن للإبداع والتغيير والتطوير ولكنها مستويات غير فاعلة أو لنقل غير مؤثرة في الحركة الإدارية العامة للجامعة فهناك حرص وإتقان من قبل هذه المستويات الإدارية وفي المقابل نجد المستوى الأعلى غير مؤهل للقيادة الإدارية الجامعية فلا يكون هناك انسجام وتوازن بين هذين المستويين مما يترتب عليها بطء في الإنتاجية مع عدم رضا نسبي لمنسوبي مثال هذه الجامعات طلاباً وأساتذة ومثل هذا النمط من الإدارة تخفت فيه روح المبادرة وتتواضع فيه عناصر الإبداع أو التشجيع أو اكتشاف المواهب أو تحفيزها. لكن الأمور التي تتعلق بمصالح المنسوبين من طلاب وأساتذة وإداريين تتم بشكل روتيني مقبول إلى حد ما مع وجود نوع من الثقة بين الإدارة العليا والإدارات المتوسطة والدنيا تساهم إلى حد ما في الشعور بالأمان والطمأنينة لدى الأعضاء وتتيح المجال للتواصل بين كافة المستويات وتقبل المقترحات والمبادرات بشكل نسبي.

وينتج عن مثل هذا النمط من الإدارة في الجامعات مخرجات جيدة إلى حد ما في تحصيل الطلاب والمهارات التي يكتسبونها وكذلك إسهامات جيدة وبارزة في المجال البحثي مع ضعف تواصل ومشاركة في العلاقات العلمية والاقتصادية مع المجتمع. وهذا النمط من الإدارة يوجد في بعض جامعاتنا كما تثبت ذلك المشاهدات ونتائج بعض الدراسات.ثالثاً: وهناك نمط ثالث يتوفر للإدارة العليا فيه الكفاءة والقدرة على القيادة وروح المبادرة والإرادة وتعلي الشخصيات القيادية في هذا النمط الولاء الشديد للوطن وللمهنة وإنكار الذات كما أنها تعرف دورها ولديها القدرة على الحوار والمناقشة مع كافة شرائح الجامعة واستثمار الطاقات وتشكيل القيادات وتحفيز الهمم وبث روح الإخلاص والتفاني، فضلاً عن توفر القدوة الرشيدة الفاعلة النموذجية الميدانية للإدارة العليا لمثل هذا النمط وهذا يسهل بث مثل هذه القيم بين المستويات الأقل وينتج عن مثل هذه الإدارة الجامعة إنتاج بحثي وأكاديمي متميز وقدرة على استثمار موارد الجامعة وتعزيزها, وتواصل متميز مع المجتمع لخدمة الطرفين. ويتسم العاملون والمنسوبون في مثل هذه الإدارة بالتعاون والرضا عن مؤسستهم والعمل المبدع والمنتج. وبكل فخر واعتزاز نشهد ونلحظ وجود مثل هذا النموذج في بعض جامعاتنا.

تلك هي مجرد تحليلات مبدئية لما أراه من أهم أنماط الإدارة الجامعية في بلادنا وذلك بالرغم من أن جميع الجامعات أو معظمها لدينا هي جامعات حكومية يفترض أن يكون بين إداراتها خطوط مشتركة وأن تكون مقولبة في نمط واحد، ولكن يبرز التفاوت من خلال التوفيق في اختيار القيادة الكفء القادرة على القيادة المناسبة المؤهلة لإدارة الجامعة.

أما بالنسبة للإجابة على التساؤل السابق الخاص بتقييم قدرة إدارة الجامعات في بلادنا على إدارة التحول والتغيير واستثمار الإمكانات المادية والكوادر البشرية المتاحة والانتقال إلى مجتمع المعرفة.

إنني أرى أننا بحاجة إلى دراسة شاملة مدعومة إما من جهة مستقلة كمجلس الشورى على سبيل المثال أو من خلال وزارة التعليم العالي في حال أنشأت مركزاً يختص بتقييم العمل والجودة في الجامعات كما اقترحت ذلك في مقال سابق. ولكن بصفة عامة يمكن القول إن جميع أنماط إدارة الجامعات الواردة أعلاه تتمثل في إدارة الجامعات في بلادنا بشكل أو بآخر ويبرز نمط واحد أو أكثر على إدارة جامعة ما على بقية الأنماط وذلك على الرغم من وجود لوائح وقوالب وسياسات موحدة ومشتركة.

إن مساحة التحرك والتصرف للإبداع والتميز حتى في ضوء الصلاحيات المتاحة والمخولة كافية للتميز والتفرد وهذا ما لا نشاهده ونلمسه إلا في حدود ضيقة وهي لا تحقق الطموح الذي ينشده صانعي القرار وولاة الأمر الذين يدعمون ويوفرون الإمكانات الهائلة للجامعات. وخلاصة القول إن الإدارة العليا في الجامعة (أي جامعة) هي بمثابة الماكينة التي تحرك دفة الجامعة فإذا صلحت صلحت الجامعة، وإذا فسدت فسدت الجامعة.

واختتم هذا المقال بإيراد خلاصة من قراءاتي وخبراتي وانطباعاتي عن أسرار نجاح الجامعات وخاصة الغربية منها في إدارة الكادر البشري لعل في ذلك ما يساعد متخذي القرارات على النظر فيها فيما يخص إدارات الجامعات حاليا ومستقبلا في بلادنا وهي النموذج الذي يحتذا في أي إصلاح إداري أو تطويري لأي قطاع أو مؤسسة.

السر الأول: طالب البكالوريوس والدراسات العليا يمارس دوره الحقيقي داخل الجامعة ومندمج في عملية البحث العلمي بمردود مادي وعائد معرفي طويل الأمد.

السر الثاني: الثقافة البحثية السائد في الجامعة هي ثقافة جادة في أخذ الأمور البحثية باحترافية وتتجاوز مرحلة البحث من أجل الترقية فقط.

السر الثالث: العلاقة والشراكة بين القطاع الخاص والجامعة في تمويل البحث والدراسات التطويرية التي تغير عاملاً جوهرياً في التصنيع الحديث المتطور علاقة متميزة ومستمرة ومؤسساتية.

السر الرابع: بيئة وروتين إدارة البحث العلمي في الجامعة قائمة على أسس واقعية بعيداً عن الروتين واللوائح المملة.

السر الخامس: الإدارة العليا في الجامعة هي التي يتوفر لديها القدرة الأخلاقية والمهنية والإدارية والوطنية والبحثية التي تستطيع بمهارة وفن قيادة دفة الجامعة وإدارة الكادر البشري باستثمار كل الطاقات المتاحة والكامنة.



zozmsh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد