هل عذر الإنسان بجهله؟
كثير من أصحاب الرأي والعقل يقولون: في هذا العصر لا عذر بجهل. حيث أتاحت تقنيات الاتصال والمعلومات، القدرة لكل إنسان أن يسأل ويعرف، حتى هؤلاء الذين يقطنون في القرى النائية .
وهذا القول صحيح إلى حد كبير فيما يتعلق بعلوم الدنيا لكنه يتطلب قدراً من التأمل عندما يتعلق الجهل بعلوم الشريعة والفقه، ولاسيما أن ثورة المعلومات والاتصالات بصورتها الحالية لم توظف كما ينبغي لخدمة الإسلام والمسلمين، وخير دليل على هذا أن الجزء الأكبر من القنوات التلفزيونية ومواقع الإنترنت وغيرها من التطبيقات الناجمة عن هذه الثورة انشغل بأمور الفن والطرب والسياحة والمال وحتى الشعر الشعبي، بينما قدر يسير جداً من يهتم بأمور الدين والشريعة!
والأخطر أن القنوات القليلة ذات الوجه الإسلامي أوجدت حالة من الفوضى، وأصبحنا نسمع ونرى على شاشات هذه القنوات وبعض مواقع الإنترنت دعاة يتصدرون للفتوى، دون أن يكونوا مؤهلين لذلك، وما أكثر الفتاوى التي تطلق من حين لآخر من أمثال هؤلاء، وتسبب في حالة من (البلبلة) والفوضى التي تدخل جموع المسلمين في حيرة.. وربما تقودهم إلى أمور تخالف صحيح الدين.. وهذه الفوضى توجب البحث عن آلية فاعلة لتقديم الفتوى الصحيحة لكل سائل أو مستفتٍ عن أمر من الأمور الدين أو مسائل الفقه.
وإذا كانت الشركات والمؤسسات قد خصصت هاتفاً مجانياً لكل من يرغب في الاستفادة من خدماتها، فالأولى أن تنشئ الهيئات المعنية بالفتوى في الدول الإسلامية مثل هذا الهاتف، لتلقي استفسارات وتساؤلات عموم المسلمين، والإجابة عليها عن طريق علماء مختصين مؤهلين ثقات.
ووجود مثل هذا الهاتف الخاص بالفتوى والثقة فيمن يقومون عليه من العلماء والمشايخ يمثل حاجة ماسة لملايين المسلمين في هذا العصر الذي يعج بالكثير من القضايا التي لم تكن موجودة من قبل، بدء من فوائد البنوك، والتبرع بالأعضاء، وشركات التأمين، وزواج وطلاق الإنترنت، وغيرها من المسائل التي تعددت الفتاوى بشأنها دون ضابط أو مرجعية حقيقية موثقة.
ووجود هذا الهاتف الخاص بالفتوى يتيح لكل صاحب مسألة أن يتصل على مدار اليوم، كما يتيح الفرصة للمفتي أو الشيخ أن يجيبه على مسألته في وقت يسير وبشكل مباشر وعبر حوار يتعرف من خلاله على كافة ما يتعلق بهذه المسألة موضع الفتوى التي قد تختلف من شخص لآخر ومن حالة لأخرى، ويمكن في حالة قبول الفكرة (هاتف الفتوى) أن تخصص الهيئة أو الجهة المعنية بالإفتاء عدداً من منسوبيها وأعضائها المؤهلين للرد على كل ما يردها من فتاوى.. من خلال تحويل هذه الاستفسارات مباشرة إلى هواتفهم النقالة.
كما يمكن أيضاً تخصيص مشايخ وعلماء لكل نوعية من المسائل، فهناك الفتاوى الخاصة بالمواريث أو الكفارات أو الأمور الطبية أو فقه النساء أو فقه البيوع والأموال وغيرها.. مع الحرص على اختيار من يحسن كل جانب من هذه الجوانب، ولا يحتاج إنشاء مثل هذا الهاتف إلى تقنيات معقدة أو تكاليف باهظة، بقدر ما يحتاج إلى رغبة صادقة لضبط الفتوى، وتضييق المجال أمام الذين يتصدرون لها دون أن يكونوا أهلاً لذلك، وقبل ذلك كله مساعدة كل مسلم يتحرى الحق في كل أمور حياته.
alomari1420@yahoo.com