المتأمل في حاضر مجتمعنا يلحظ ظاهرة لافتة تستحق الدراسة ثم العلاج، وهي في الواقع ظاهرة مثيرة للسخرية وبالتالي فهي تستحق الحلول الناجعة، وهذه الظاهرة هي ظاهرة اللحظات الأخيرة حيث لا يتذكر كثير من أفراد المجتمع واجباتهم سواء الدينية أو الدنيوية إلا في آخر لحظة.
ففي ليلة رمضان وأول يوم فيه يتزاحمون على شراء احتياجاتهم الغذائية وكأنه ستحل بالدنيا المجاعة، وكذلك في ليلة العيد يكثر التزاحم على شراء مستلزمات العيد بأنواعها فيساهمون في ارتفاع الأسعار باندفاع المهمل الذي سيفوته القطار، وفي ليلة بدء الدراسة ترى التلاميذ والتلميذات وآباءهم وأمهاتهم يصطفون في طوابير تتبعها طوابير لشراء طلبات المدارس.
ليس ذلك فحسب بل إن الطلبة والطالبات يؤجلون المذاكرة إلى ليلة الامتحان يشاركهم الأهل في هذا الإهمال ثم يضغطون عليهم إذا اقتربت الاختبارات، وحتى أداء الواجبات المدرسية يكون كثيراً قبيل النوم، أو في الصباح الباكر مع سيل من الدموع والتشنجات.
إنه التسويف الذي سيطر علينا بدل أن نسيطر عليه، حتى في مجال علاقاتنا الإنسانية فنحن لا نفتقد بعضنا بعضاً إلا في اللحظات الأخيرة حينما تغيبنا رحلة الخلود، حيث يجتمع الأحباب ثلاثة أيام تامة متواصلة على الأقل، وذلك حينما يفتقدون حبيبهم الذي اختطفته يد المنون، مهملين أعمالهم ومصالحهم وحسرة الفراق تعتصرهم.
ولكن ما الفائدة التي سيجنيها الميت من اجتماعهم؟ إنه الحب بعد أوانه، فقد كان يرجو وهو حي ولو قليلاً من السويعات يحظى فيها باهتمامهم وقربهم، بل ما الذي يجنيه هؤلاء المسوفون والمسوفات إلا التحسر على ما فات وعقاب الذات على التفريط في حق من رحل.
ليس ذلك فحسب، بل إننا نؤجل التوبة والعبادة حتى المراحل الأخيرة من العمر وكأنما ضمنا الصحة والقوة وطول العمر، حتى الإحسان والإنفاق نسوف فيه ونظل نؤجله ممنين أنفسنا بالثروة الطائلة، وحتى هذه إذا وهبها الله لأحدنا ازداد معها تسويفاً وشحاً. ألم أقل لكم إننا شعب اللحظات الأخيرة؟ أدعو الله تعالى ألا نكون ممن يقال لهم: (آلآن..)، وأن يرزقنا حسن الختام في الأعمال والأعمار قبل فوات الأوان.
g.al.alshaikh12@gmail.com