كأنّهم بقايا خشاش لفظه مدّ بحر هائج، أو أعشاب جافّة نقلتها الرِّيح لأطراف الأرصفة على الممرّات الفارهة.. أو فضلات أسماك ولحوم فاسدة تزداد بها الأجواء من حول السادة المرفّهين نتنا ، فيحتار الجمع إلى أين يأخذون بهذه البقايا والأعشاب والفضلات الفاسدة، كي يمارس السيد المرفّه المدلّل عيشه في هدوء، بعد أن يجدوا مدفناً لائقاً بتلك الرّتل من الأجساد المنتهكة في غزة موتاً وإصابات وترد وجوع وعزلة وهلع وخوف ومرض وعذاب، بفعل الجريمة العابثة بكلِّ القيم ، النافرة بمعنى جديد لفتنة الجنون التي يمارسها بنو إسرائيل، ولا رادّ لهم ولا متفق في شأن صدّهم فما بال بعقابهم، وبشأن انتهاكاتهم في وضح النور فما بال في ظلمة الليل ، والكبار والصغار لا ينال أبناء غزة منهم سوى النحيب والتشنّج والشّجب والحوارات ومكوكيّة الحركة في دوامة مفرغة، إلاّ من قوّة وهمية رمها هذا العدو، وجعلها بوصلة تحرك العالم كله من ورائه.. يشدّ من أزره سادة البيت المظلم ،...

كلّ الذي نشاهد ونسمع إدانات بالغة الاجتراح للإنسانية ، ولقيم البطولة وأهمية الحق ، وتسلّط الظلم ، وخنوع الإرادات ،.. وإسرائيل تضرب عرض كل القيم بحائط تمرّدها ومهارة خبثها وقدرتها حتى على صياغة البيانات وتدبيج الخطابات للتأثير على مفاهيم كثيرة باتت مداد ماء تكتب بها شعارات: التضامن والحق والتضحية والعدل والشرعية الدولية وقوانين الإنسانية ، وبنود الاتفاقيات البيضاء..

لم أكن يوماً كاتبة سياسية ، ولم أتطلّع لتتبّع خيوط الأسفار المظلمة بوقائعها وشخوصها في لعبتها لأنها داكنة ولا أقوى على الدّكن ولا الظلمة ، لكنني لم أغفل لحظة الإنسان في أي حرف كتبته... ولأنّ الإنسان الآن هو محور قضية الحرب الهمجية في غزة، فإنّ قتله وتجويعه وحصاره، بل إبادته وتطهيره عرقياً، فإنه بقوّة يحرك العقول مع العيون نحو كشف اللثام عن رخاوة القيم وهشاشة السلطة عند من يستعرضونها شعارات وآلات،.. هذا الإنسان داخل خط النار الواقع تحت جحيمها ، والإنسان خارج هذا الخط قد سجّل في هذه المعركة انتصاراته صموداً في داخلها وتفاعلاً في خارجها؟ وأنّ الحروب مهما كانت بالغة القسوة إلاّ أنها المحرّك لنتائجها وغالباً ما سيؤول المنعطف للناجين بإيمانهم...

فاللهم شدّ من أزر هذا الإنسان..

واللهم دمِّر المحارب بآلته المنتهك لقيم الخير والحق وعدالة الحياة.