Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/01/2009 G Issue 13256
الثلاثاء 16 محرم 1430   العدد  13256
الخروج من المأزق العربي 2 - 2
د. حسن بن فهد الهويمل

 

والأمة العربية لا تخفى عليها خافية اللعب الموهنة لكل عزيمة المدمرة لكل صرح، وهي تعرف أن إسرائيل خنجر في خاصرتها، وأنها لن تسترد عافيتها حتى تنزع ذلك الخنجر ولن يتأتى لها النزع في راهنها المتهالك،.

وفي ظل استشراء الغضب الغربي، وما يملكه من عدة وعتاد وعلم عميق بظاهر الحياة الدنيا. والغرب تحدوه إلى حَزِّ الجسم العربي إلى العظم رغبتان:

- التزامه بأمن إسرائيل وتفوقها.

- انبعاث الكره التاريخي للأمة العربية بوصفها عيبة الإسلام.

وإذا أغلقت أبواب الحسم العسكري مع العلة المستبطنة، فإن أبواباً أخرى مشرعة المنافذ، وليس هناك ما يمنع من الحلول المرحلية، حتى يأذن الله للأمة بالحسم الناجز.

وحين تتعذر المواجهة العسكرية، لا يكون تكليف إلا مع الوسع وما آتاه الله، ولقد اختصنا الله بفضله ورحمته ولطفه {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

وفي ضوء التخفيف لا يشرع الجهاد إذ لا تكافؤ ومن ثم تصبح البدائل أنفع للأمة المستضعفة، وهي بدائل تهيئ الأمة للخروج للقتال بعد إعداد العدة، ولا تديم الهوان. وأمام هذا التفاوت في مختلف القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لا بد من التفكير السليم والتقدير الدقيق للحيلولة دون مزيد من الانهيار والانكسار.

ولن يتحقق المراد بين عشية وضحاها، وخطاب العنتريات والمثاليات والمظاهرات والهتافات والتلاوم وإحراق الأعلام وتخوين الزعماء لا يجدي، بل يزيد الحال سوءاً والأوضاع تعقيداً، وإذ لا يكون مع الإصرار مستحيل فإن بإمكان الأمة العربية استعادة عافيتها أولاً، وحقوقها ثانياً إذ لم يمسسها من الذل والهوان ما مسَّ (ألمانيا) و(اليابان) في الحرب العالمية الثانية، وها هي اليوم تفوق المنتصر حضارة واقتصاداً، وقد تكون لها الغلبة في المعركة السلمية بعدما غُلِبتا في المعركة العسكرية.

و(الهند) التي أخرجت (بريطانيا) من أرضها بالمحراث والمغزل في مقاومة سلمية بدون هتاف ولا دماء. لقد جربت الأمة العربية المواجهة العسكرية متضامنة، وجربتها (مصر) منفردة منذ حرب 1948م التي كشفت عن ضعف في الخطة والآلية وفداحة المؤامرة، ونسلت من هذه الحرب الفاشلة ثورات عربية لم تزد الأمة إلا تفككاً وضعفاً وانكشافاً وتمكينا من الرقاب، ومن بعدها قلبت الحكومات العربية لشعوبها الأمور، فمن مقاومة إلى مفاوضة: فمصالحات واتفاقات تُنْقض قبل أن يجف مدادها، ومن عمليات فدائية دُفِعَ ثمنُها من الأنفس والأموال والسمعة إنه تاريخ مليء بالنكسات وخيبات الأمل، ولقد آن الأوان لتجربة أخرى ذات شقين:

- شقٍ تجاهد فيه الأمة نفسها وهو الذي سماه المصطفى الجهادَ الأكبر.

- وشقٍ تجاهد فيه الأمة أعداءها متمثلاً ببناء الذات وعصرنة الأشياء.

والتضلع من العلم والمعرفة والتأصيل السياسي والاقتصادي والإعلامي، بحيث تصان الحريات والكرامات والحقوق، وتفرض فيه الأمة احترامها على العالم، ولن يتحقق شيء من ذلك حتى يُصْنَع الإنسان على عين الحق لا يضارَّ في حقوقه المشروعة في التكوين والممارسة.

إن الأمة في راهنها تعيش تحديات لا قبل لها باحتمالها، والمُكْتوون بلهيب الإحباطات يتساءلون بإلحاح عن الحل الموقف للتدهور، أو المعيد للعافية والحياة السوية.

إن هناك اتفاقات جائرة، وممالآت مشبوهة، واعترافات معيبة، وأحلاف موهنة، وعداوات مختلقة بين الأنظمة العربية، ومصالح متعارضة، وتكتلات مريبة، وأطماع إقليمية مخيفة، وتحركات طائفية مزعجة، واختراقات مكشوفة من دول الاستكبار، وعنف وإرهاب، وفقر مدقع، وأنظمة غير متصالحة مع شعوبها، وفراغات مغرية لدول الجوار: (إيران) و(تركيا).

وكل هذه المعوقات صُنِعَت بإحكام، لتكون عقبة في طريق أي بارقة أمل تتقدم بالقضية خطوة واحدة باتجاه الحل السليم، والأمة العربية مطالبة باستيعاب ذلك كله، ومواجهة ذلك كله، والتحرك وفق متطلبات المرحلة والإمكانيات المتاحة وما دمنا في راهننا لا نقدر على مقاضاة (إسرائيل) فلندعها إلى حين، مثلما احتمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذية المنافقين ومكيدة اليهود ومثلما ظل بيت المقدس بيد النصارى مائة عام ولنلتفت إلى الداخل لإصلاح البيت العربي، مع الالتزام بتوفير أدنى حد من العيش الكريم للشعب الفلسطيني في الشتات وفي الداخل، ثم لتكن قضية فلسطين قضية عربية لا تنفرد بها فصائل ولا منظمات، ولا يُمَكَّنُ قادتها من الدخول في اللعب السياسية.

وحين تلتقط الأمة أنفاسها، وتستعيد عافيتها، وتبني إنسانها، وتأكل مما تزرع وتلبس مما تنتج وتحارب بما تصنع، يكون لها خطابها المسموع وإرادتها النافذة، ولن يتأتى شيء من ذلك حتى تتصالح مع ربها أولاً وقبل كل شيء بحيث تضمن نصره وتأييده وتمكينه {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)، (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)، ثم تفكر ثانياً في إنسانها بحيث تتصالح معه، وتصلح شأنه كله وتصنعه لمواجهة المرحلة بكل تعقيداتها، ثم تفكر ثالثاً في قوميتها العربية بوصفها الوحدوي لا القومي (الأيديولوجي) وبوصفها لسان الإسلام ومنطلقه، بحيث يأمن الجار جاره، ويعرف أنه محمي الساقة، موفور الكرامة، ومتى عرفت دول الاستكبار والاستبداد أن المصالحة قائمة، وأن كل دولة عربية تحب لجارتها ما تحب لنفسها وأن هذا الصلح والمصالحة ممتد إلى الله والإنسان والأرض وبين كل الأطراف فإن نظرتهم ستتغير، ومن ثم يكون انتزاع الحق وأخذه بقوة.

إن الأوضاع القائمة إقليمياً وعالمياً تتطلب التفكير السليم ولغة العقل الرزين، ونبذ التنازع والتنابز، والارتداد إلى الداخل لمعالجة الأدواء المستعصية فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يكلف نفساً إلا ما آتاها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف) ويقول الله عن رسوله: (وما أنا من المتكلفين).

إن مواجهة الذات المثقلة بركام النكسات أشد مضاضة من مواجهة الآخر، ولا سيما أن ركام المشاكل المعقدة يحتاج إلى الصدق والصفاء والصبر والمصابرة والعزم على تجاوز العقبات، فالإنسان العربي مل المزايدات والعنتريات والتهدئات المؤقتة التي يستغلها العدو للتحرف والتحيز ونبددها نحن بالتناحر والتدابر.

فليتق الله من يمسكون بأزمة الأمور من قادة وعلماء ومفكرين وإعلاميين إن خطوات ثلاث هي ملاك الأمر كله: (الله) و(الإنسان) و(الأمة) وإن لم نتدارك الأمر قبل فواته فإن الأمة العربية ستكون مشروع أندلس أخرى.

ومن المضر بالقضية فتح ملفاتها في هذه الظروف المتردية بكل المقاييس، إذ كل اتفاق استسلامي سيعود أثره السيئ على الأجيال القادمة، وإسرائيل ومن ورائها (أمريكا) سيوثقون هذه الاتفاقيات المجحفة لدى المجالس والهيئات الدولية، ثم يكون التخلص من عقابيلها صعباً، ولعلنا نستذكر مغامرة (السادات) وما تمخض عنه اللقاء في المنتج الرئاسي الأمريكي (كامب ديفيد) والذي فتح باب الاعتراف بدولة إسرائيل والتبادل الدبلوماسي معها، والتزام مصر بما لا يلزم، لقد فوتت هذه المغامرة المرتجلة على الأمة فرصاً ثمينة، ولقد يكون من المناسب في ظل هذا الاعتداء الغاشم على (غزة) تجميد العلاقات وسحب السفراء، ومراجعة المقاطعة من جديد، وتوحيد المواقف لممارسة جولة سلمية تبادل بالمثل، وأي توسع أو اعتداء يواجه بالرفض الجماعي والمقاومة السلمية المتمثلة بقطع العلاقات والمقاطعة وفتح جميع ملفات الاعتداءات الغاشمة ابتداء من (ديرياسين) ومروراً ب(خان يونس) و(صيدا) و(صبرا وشاتيلا) ومذابح الحرمين و(قانا) وسائر الاعتداءات الغاشمة التي خلفت قتلى وهدميات وخسائر لا حصر لها، كما أن على الإعلام العربي تكثيف البرامج الوثائقية لمذابح العدو واعتداءاته، إن الخروج بخطة جماعية كفيلة بإخراج العدو ومن وراءه، ولكن أنى لنا العودة إلى منطق العقل والحكمة؟!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد