Al Jazirah NewsPaper Tuesday  13/01/2009 G Issue 13256
الثلاثاء 16 محرم 1430   العدد  13256
شمس في ليلٍ كالح سواده
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

قال القرار (8-1-2009)، إن واحداً من أمراض مجلس الأمن - وهي كثيرة- أوشك أن يقضي عليه لولا رحمة الرب المعبود، ولعل إنسانية أعضائه تسترد عافيتها لمتابعة تفعيل القرار متعسر الولادة، والمشوه المبتورة أطرافه، فهل من مسيرٍ والدرب يشكو من سوء المصير؟

مصير الأمن الأسير المقيد بالفيتو عين الظلم لظالم متجبر وحليفه الحقير..

إن رعب الفيتو لا بد وأن يحرم مع قضايا الحروب، فكل الحروب وفق أهدافها قد تتمكن من الاحتلال وفرض استعمارها، ولكنها لا تقضي على وجود أمة مهما أبادت، وبالاحتلال تتبدل الملامح السياسية للأمة والأرض المحتلة وأحياناً ما هو أبعد من ذلك، ويستحيل أو يصعب أن تبدل أو تنال قوة الاحتلال من تاريخ الأرض والأمة.

وبين أيدينا من الأمثلة ما يؤكد ذلك، فالجميع يدرك أن للولايات المتحدة تاريخا لا يؤكده وجودها إذا ما قارنا ذلك بوجود الهنود الحمر، والدولة العثمانية بكل توسعها وزمانه الطويل لم تحقق ذلك، فبعد سقوطها كل عاد إلى أصله وتاريخه، وفي فلسطين مضى ستون عاماً على الاحتلال واغتصاب الأرض بدعمٍ وتأييدٍ من عالم أقوى حيث بدأ بدعمه ولازال متصلاً، والوجود الصهيوني في فلسطين حظي بهذا الدعم وهو أمر نادر في الأصل والشكل، وسيظل وصمة عارٍ لكل الدول التي تدعمه ولازالت، ويصح في هذه الحال أن نقول عنهم أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن اقتلع وجود أمة ليحل بالعدوان محلها أمر طبيعي أن يسارع لتقديم الدعم المستمر ويزيد من دعمه حيث جذور التجربة والممارسة سبقت مع الهنود الحمر.

وبالنظر لواقع الحال في غزة وموقف بعض من يكتب في الجرائد أو يقول همساً في اللحظة ليسمعه كل الناس بعد ساعة، من يكتب أو يقول عن المقاومة التي بالكاد تدافع وتدفع الظلم والعدوان عن أرضها والشعب الذي مارس معه العدو الصهيوني طغياناً وتجبراً فقتل حتى يومنا هذا ما يزيد على السبعمائة شهيد بين طفلٍ وامرأة ورجل حتى وإن كان عاجزاً أو مسناً أو من الأمراض يشكو فضلاً عن ثلاثة آلافٍ أو ما يزيد من الجرحى.

تعلمنا السنون الستون التي مضت على اغتصاب الأرض أننا من عاش الحاضر والمستقبل في وقتٍ واحدٍ على الرغم من أن هذه الأعوام كفيلة بأن تحرك كل العجلات العربية لكنها لم تتحرك، وكل ما نخشاه أن تمضي سنون قادمة دونما حسابٍ يسدد فاتورة القضية.

لنتذكر اليوم الأول من العدوان الصهيوني (يوم الألف جريح وقتيل)، إنه عدد رهيب ورهيب جداً، وأرى أن من واجبات أي موقف الالتزام بأسبابه ومعطياته، وشن حرب عشواء غادرة ظالمة مسرحها غزة وأطرافها حركات إسلامية (حماس والجهاد... إلخ) بجانب ما تقدمه فتح، ومع ذلك يطالعنا الكتاب في بعض الجرائد بالنقد اللاذع للمقاومة.

نحترم رأيه إلا أننا مطلقا لا نحترم اجتهاده بالنسبة لوقت ما يكتب، فهم أي المقاومة في سباق مع الموت، ومحاولة ردع العدو ولا أظن أن القضية بحاجة إلى مزيد من التحليل الذي ينال من المقاومة سواء كانت حماس أو الجهاد أو... الخ.

إن الصمت إحدى الوظائف الذكية للإنسان كما أن الكلام أيضاً واختيار ما يقال ذكاء يؤكد الذكاء، فواجبنا إما الصمت أو قول إيجابي يخدم الأهداف.

أي سؤال يطرح على الصهيوني ومدى تفاعله العقلي أو النفسي مع ما يقال يؤكد أننا لابد وأن نحرمه من سرور يتمناه، بل علينا أن نحشره بقلقة وتأكيد العدل ورفض الظلم، والعقلاء من اليهود الشرفاء قالوا كلاماً فيما حرروه من كتاباتهم يتهم إسرائيل بالغطرسة والغباء، وهذه ركيزة للكاتب العربي ليبادلهم الرأي.

وعلى الكاتب أن يقدر ويحترم ذكاء القارئ، فالصيد في الماء العكر مرفوض وممسوخ حتى وإن تعلق الأمر بكاتب كبير وفنان مبدع قدير، ومن يقدم رأي غيره ليستمد منه ما يؤيد رأيه إفلاس وضعف في الحجة، والاقتباس أمر مشروع وفق أصوله، فكل كاتب لا يعجبه الإصغاء لمعزوفة المقاومة يحزم أمره ويحرك مؤشر الاستقبال إلى جهة تناسبه على أن لا يأخذنا معه ولا يدعونا لحفلاته.

كذلك من ينزل جام غضبه على القيادات العربية فهو مخطئ في قراءته وما يحرره بعد أن يقرأ، فلم يحن وقت الغضب أو المحاسب، أمامنا مهمة مصيرية علينا التفاعل معها بمصداقية وأمل وبروح عالية لا تعرف منعطفات القول.

ووقفة مع النفس ومراجعتها ستهدي إلى صواب الطريق إن شاء الله، ومن ناحية أخرى فإنني وكثيرين غيري نثق بعون الله ثم بصد العدوان وحرمانه من تحقق أهدافه والشاهد على ذلك صمود المقاومة على الرغم من تباين القوى، ومن يتابع الخبر وما وراء الخبر ويتجول بين مصادره بلغاتٍ أخرى يدرك المعنى فيما أقول.

ومن المشاهد المؤثرة مشهد الأطباء الأتراك مع اليونانيين حيث حضروا لتقديم خدماتهم بمروءة وشهامة ينافسهما الإصرار بشجاعة العطاء، وكذلك الموقف التركي وبالذات الشعبي، وذلك الذي تحدث نيابة عن أقرانه باستعداد وعزيمة لولا موانع الطريق، وهي مؤقتة إن شاء الله.

وموقف السلطة لسنا بصدد تشريحه وتحديد عيوبه ففتح تقاتل مع من يقاتل ببسالة وعزيمة، أمر آخر ومن واقع الأحداث أن الإيمان بالله والاتكال على عزته بجهد العمل وشدة المقاومة أقرب الطرق إلى ما يسر من نتائج إن شاء الله.

إن ضمير الناس من شعوب الأرض يأبى الظلم والعدوان وبالذات ما هو موجه للأطفال والنساء، والذي لا يزال يعبر عن رأيه.

أما حكام الكثير من دول العالم فأكتفي بأن أقول لرئيس أكبر دولة: كل عام وأنت لا تتعلم، فأين الحياء من قولٍ يساوي بين الضحية والجلاد! أليس من الظلم إلقاء اللوم على المقاومة التي تدافع بإمكانيات هزيلة عن أرضها (وهي ممارسة مشروعة)، ألا يذكرك التاريخ ويستصرخك الضمير لقومٍ أبيدوا والأرض لهم فضاق بكم الصدر عن عيشهم معكم في أرضهم، إلا أنكم مارستم الإبادة وكان لبطشكم بهم ما يسجله التاريخ وصمة عار على وجودكم، وهي حاجز يبين تقدم أمتك بالتاريخ والحضارة، فالحضارة إنسان وأرض وتاريخ، وهذا كله مشبع بروحانيات لا تعبد غير الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد