أحكم الصهاينة الحصار على غزة، وتفننوا في التضييق عليها وتطويقها، وتجويع أهلها، ثم شنوا حربهم الشعواء على إخواننا في (غزة) وسفكوا دماءهم، واستخدموا كل ما استطاعوا من قوة في التعدي والبغي، وكل أصناف التعسف والظلم والعدوان، أملا في تحطيم إرادة أهل (غزة) وقهرهم، وزعزعة الثقة في قدرتهم على التصدي والمواجهة، وإظهارهم بمظهر العاجز الفاشل، ومن ثم إسقاط إصرار (غزة) على الممانعة والمواجهة من خيارات الخارطة السياسية، كل هذا لأن (غزة) الحرة تشكل في نظرهم عقبة كأداء في طريق التطبيع والتسليم والاستسلام. لكن خابت ظنونهم، وفشلت مخططاتهم، وتحطمت كل خياراتهم التي راهنوا عليها، لأن هؤلاء الخائبين لا يعرفون معنى شموخ الكرامة، وسمو العزة، وأنفة الإباء، وصدق المواقف، والإيمان بعدالة القضية، والعزم على نهج كل الخيارات الممكنة في التصدي، لا يعرفون معنى التضحية بمغريات الدنيا، لا يدركون قيمة الصبر والمصابرة في سبيل الغايات الكبرى، فأهل (غزة) كلهم مصممون على النصر، محتسبون في سبيله مواجهة كل المصاعب والمخاطر.
فعلى الرغم من جور الصهاينة وتماديهم في القتل والتدمير الأعمى الذي طال الإنسان في (غزة) وممتلكاته ومقومات حياته، وعلى الرغم من الأذى النفسي والجسدي الذي ترتب على هذه الاعتداء السافر الحاقد الأعمى الذي تعمد قتل الأطفال والشيوخ والنساء، وهدم المساجد والمشافي، وعلى الرغم من قساوة هذا العدوان وبشاعته، سوف ينهزم الصهاينة ويندحرون، ويتهاوون ويفشلون، ويرتد كيدهم وبغيهم حسرة عليهم وندامة، سوف يسقط رهان المخططين والمؤيدين والساكتين، والغاضين الطرف عن تبعات العدوان، كل هؤلاء سوف يسقطون ويتهاوون، وتفشل كل خياراتهم وأمنياتهم من وراء هذا التمادي الظالم في تدمير (غزة) وقهر إرادتها.
ها هي (غزة) شامخة بكبريائها، عصية على الطامعين فيها، الطامحين إلى عزلها وإذلالها، المراهنين على تبعيتها وانقيادها وسقوطها، بقيت (غزة) شامخة، وسوف تبقى بإذن الله كذلك لأنها تمتلك السيادة في اتخاذ قراراتها، والقدرة في تحديد خياراتها، وتستلهم القوة من جذوة الإيمان بأن الحق يعلو مهما كانت سطوة الظلم وجبروت الظالم.
ومما عزز صمود (غزة) ورسخه، إيمانها بعدالة موقفها، وإرادتها الصلبة التي لا تقبل الاستسلام، ولا ترضى بالهوان، إرادتها التي تستمد العون من خالقها، وتستلهم العزيمة من صبر الصابرين المرابطين في أرضها، المؤمنين بعدالة موقفهم، الواثقين بصواب خياراتهم، العازمين على مواصلة الطريق مهما طال بهم المسير، ومهما كانت صلابة العقبات، وتواتر المحبطات، وتأثير المثبطات، وعجز ذوي القربى في مواجهة الأعداء.
لقد صمدت (غزة) أمام هذه التحديات كلها، بإرادة لا تقهر، وصبر لا ينفد، وعزيمة لا تكل ولا تمل، تجللها نفوس كريمة، وتوقدها حماسات متقدة مستعرة، وغايات عظيمة نبيلة، ولا غرو في ذلك، لأن الاستحقاقات المرجوة كبيرة تستحق كل هذه التضحيات الجسام، وهذه المواقف الصلبة الصلدة الصادقة المحتسبة.
ولهذا تقول (غزة) بكل فخر واعتزاز: وبصوت واثق (أنا الحرة)، فأنا وإن بدوت سجينة، إلا أن على أرضي أناس أحرار، نفوسهم حرة أبية صابرة، بينما أنتم أيها المعتدون أنتم الأذلاء الغارقون في ظلام الأوهام، فأنتم وإن بدوتم ظاهريا أحرارا أقوياء، إلا أنكم في الواقع وكذا من يصدقكم، تدورون في حلقات مفرغة من الأحلام والأوهام، أحلام السلام، وأوهام الاستسلام.
لقد أشغلتم الواهمين بتحقيق السلام معكم، المستسلمين لمطالبكم، بملاحقة مستجدات متلاحقات من الأحداث الثانوية المفتعلة، ولن يجنوا منها سوى الحسرة والندامة، وتضييع الحق والكرامة.
سوف تنتصر (غزة) لأنها الحرة.