كلما حل بالأمة نكبة أو مصيبة اتجهت الأنظار إلى هنا.. إلى المملكة العربية السعودية، ليس بصفتها الاقتصادية المؤثرة في العالم لكونها أكبر دولة نفطية فحسب، ولكن لكونها أيضاً قبلة للمسلمين وقائدها هو إمام المسلمين، كما قال ذلك الرئيس الباكستاني الحالي عند زيارته للمملكة:
إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ليس ملكا للمملكة العربية السعودية فحسب بل هو إمام للأمة المسلمة جمعاء.
وكون بلادنا تتبوأ هذه المكانة العالية دينيا واقتصاديا فإن المسؤولية عليها مضاعفة، ويجب علينا أن لا نضيق ذرعا بمن يطالبنا بتحمل أكبر مسؤولية في أي قضية كانت، فمن كان قدره أن يكون كبيرا فعليه أن يتحمل المسؤوليات مهما كانت كبيرة ومرهقة، والمملكة منذ تأسيسها على يدي الملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - وهي تضطلع بهذا الدور بكل اقتدار، وما عرف عن الملك عبد العزيز أنه تأخر في أي مطلب قومي أو إسلامي بل كان دوما يقود المبادرة ويتحمل تبعاتها، وجاء من بعده الملك سعود الذي واصل المسيرة بكل اقتدار وعلى نفس النهج وكان له - رحمه الله - مواقف مشهودة تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين، ثم جاء الفيصل الذي سجل له التاريخ مواقفه العروبية والإسلامية الثابتة والحاسمة وما موقفه من الصراع العربي - الإسرائيلي إلا خير شاهد على عظم اهتمامه بالأمة وقضاياها - رحمه الله -، وجاء من بعده الملك خالد الذي كان لا يرضى ببديل عن قضية فلسطين تحديدا ويرى كما في أكثر من خطاب له أنها همه الأول والأخير بل كان - رحمه الله - يرى أنها قضية دينية قبل أن تكون سياسية وذلك لارتباطها بمسرى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجاء بعده الملك فهد الذي أولى قضية فلسطين اهتماما كبيرا جدا، فكانت مبادرته التاريخية التي اقرها الرؤساء والملوك العرب وكذا منظمة المؤتمر الإسلامي وأخذت كأساس في أي تسوية للقضية.
واليوم وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز هذا الملك الذي عرف بأصالته وعروبته ومن قبل ذلك كله غيرته على دينه وأمته المسلمة، واتفق الناس وأؤكد على قولي (الناس) لأني اعني جميع الناس وليس العرب أو المسلمين فقط بل من يعرف هذا الملك من خلال كلماته ومواقفه وجهوده المتواصلة في خدمة وطنه وأمته والناس جميعا، فهو - حفظه الله - يؤمن إيمانا تاما بأن استقرار البشرية ورغد عيشها وسلامها لا يمكن أن يتحقق بدون تفاهم عالمي ومصالحة بين كل دول العالم، وأن هذا من ديننا الذي أمرنا بأن نكون دعاة سلام لا دعاة حرب وفتنة، ولذا كانت دعوته إلى حوار الديانات الذي انطلق من مكة المكرمة مرورا بمدريد ومن ثم الأمم المتحدة، وكانت له أصداء عالمية رسمية وشعبية لما يحمله من مضامين كلها تصب في أمن وسلامة الإنسان أيا كان هذا الإنسان.
قدرنا أن نكون كبارا.. نعم هذا هو قدرنا ولذا كانت قيادتنا منذ الموحد كما أسلفت إلى هذا اليوم وهي تتحمل أعباء هذه المسؤولية بكل اقتدار، ولكن ليس كل ما يعلم يقال، وليس مطلوبا من الرجل الذي يتحمل المسؤولية أن يعلن للجميع ماذا هو صانع وماذا هو يريد؟ خاصة في الظروف التي تختلط فيها الأوراق ويكون الأمر كبيرا وخطيرا كما هي قضية فلسطين هذه الأيام.
قدرنا أن نكون كبارا.. ولذا فلا غرابة أن تتطلع الشعوب العربية إلى خادم الحرمين وإلى هذه البلاد بشغف كبير طلبا لموقف سياسي أو دعم مادي أو معنوي وبكل لهفة، وطبيعي جدا أن نسمع من ينادي بأعلى صوته وربما تجاوز المألوف قيادتنا بحل مشكلة هنا أو مشكلة هناك، فالكبير دوما مهموم ومثقل بهموم الآخرين وإن نأت.
إن مواقف المملكة العربية السعودية من قضايا الأمة لم تكن يوما من الأيام متخاذلة ولا متقاعسة بل كانت دوما خير من يستنهض همم الآخرين ويوحد صفوفهم، ولو أردت أن استعرض مواقف المملكة من قضايا أمتنا العربية والإسلامية لطال بنا المقام.
واليوم والقضية الساخنة قضية فلسطين وتحديدا غزة وهذه الفاجعة والكارثة الإنسانية البشعة بكل المقاييس، حيث مارس العدو كل أنواع البطش والتنكيل.. وبمن؟ بالأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة ولا شفقة إنسانية، تقف المملكة موقفها الواضح والصريح من حيث الدعم الشعبي والمعنوي الكبير، وتتحرك قيادتها في المحافل الدولية بشكل لا يقبل المزايدة، وهي بلا شك تعمل بدبلوماسية يجهلها الكثير تصب كلها في مصلحة هذه القضية التي كثر عليها المزايدون، ولكن وكما يقال لا يصح في النهاية إلا الصحيح.
ِAlmaJd858@hotmail.com