غزة - بيت لاهيا - رفح - بلال أبو دقة- رندة أحمد
الصورة في قطاع غزة اليوم أكثر مأساوية من أي وقت مضى، وتعجز آلاف الكاميرات من تصوير المأساة التي ألمت بسكان غزة المنكوبين.. المشاهد الدموية والتدميرية في غزة توجد في كل زقاق وزاوية، في كل مخيم وقرية ومدينة.. وموجة من البكاء والخوف تحت حمم الصواريخ والقذائف المدفعية تخلع قلوب الأطفال والنساء والمسنين، والأمن في كافة أرجاء قطاع غزة من شماله إلى جنوبه مفقود، وآلة الحرب الصهيونية التي تطحن عظام الأطفال والنساء وتدمر كل شيء ما زالت توغل في دماء الفلسطينيين، ويكاد يجمع سكان قطاع غزة بأكمله أنه لم يعد بمقدور أحدهم التنبؤ بشكل حياته وحياة عائلته بعد دقيقة..
وتصور الفتاة الفلسطينية (مريم يونس-17 عاماً) وهي طالبة في الثانوية العامة حالة العائلات الفلسطينية في مشهد تراجيدي يخلع قلوب أصحاب الضمائر الحية في هذا العالم الظالم، الذي يلوم رجال المقاومة الفلسطينية في غزة، الذين يحملون أرواحهم على أكفهم للذود عن شرف الأمة، في وجه الأطماع الصهيونية في كل قطر عربي.. (الفتاة الطفلة مريم) هي من أصول قرية بربرة الفلسطينية المهجرة، هذه الفتاة كانت تسكن بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة..
حملت الفتاة الطفلة (مريم) مع ستة من أشقائها (ما تيسر) من ملابس وأغراض على عَجل، وخرجت في موجة من البكاء والخوف تحت الصواريخ الصهيونية باتجاه أقارب لها في حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة طلباً (للأمن المفقود).. تقول -مريم- بصوت مرتجف: منذ خمسة أيام ونحن محاصرون في منزلنا الذي بقي وحيداً صامداً لم يطاله القصف بعد أن هدم الحي بأكمله في منطقة الشيماء شمال بلدة بيت لاهيا، وقد فقدنا الطعام والشراب وعشنا في زاوية أسفل المنزل، نشعر في كل لحظة أننا سنموت معاً..وتابعت: عندما قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعليق عملياتها الحربية ظهر اليوم الثاني عشر للقصف على غزة، ولمدة ثلاث ساعات، خرجنا جميعاً تحت القصف والطائرات فوق رؤوسنا، وأمي تدعو أن تبتعد لو قليلاً عنا إلى أن نخرج من المنطقة، وعلى طول الطريق دمار شامل... حتى وصلنا بعد حين إلى منزل عمي في حي الشيخ رضوان.. وفي الحي ذاته الذي تعرض للقصف الأعنف منذ بداية العملية البرية تم قصف كل البيوت وما بقي واحد هناك في منزله. قالت مريم: (استشهد ستة أفراد من عائلة جيراننا وترك الكثيرون تحت الردم لا يعلم بهم أحد).. ولا تتجاوز- مريم- وهي تحكي (بكلمات مرتجفة) الوضع النفسي لأشقائها الصغار وعائلتها، وتقول: (تخيلوا عندما نرى أبي يصيح مرعوباً من القصف.. كيف ستكون حالتنا النفسية... نفسيتنا تحت الصفر من الخوف، لا أمن ولا أمان في غزة، نشعر بالموت في كل جانب، وحتى عند وصولنا إلى بيت عمي كانت القذائف تنهال على المنطقة وكأن الموت يلاحقنا.. بدوره يروي المواطن الفلسطيني (وليد اللوح -35 عاماً) كيف هوى بيته الذي قضى سنوات طويلة يبنيه طوبة فوق طوبة وقد تحول في لمح البصر إلى كومة من الحجارة بقذائف المدفعية الصهيونية، ليصبح مشرداً طريداً هو وعائلته في برهة من الوقت.
ويسكن المواطن (اللوح) ضمن عائلة مكونة من عشرة أفراد تعيش حياة اعتيادية حتى غادروا المنزل منذ سبعة أيام بعد تلقيهم مكالمة هاتفية من جيش الاحتلال الصهيوني تفيد بقرب قصف المنزل، مثل المئات غيرهم الذي يعيشون هذه الأيام حياة لجوء جديدة. واللحظة التي هوى فيها منزل اللوح في منطقة تل الهوى غرب مدينة غزة في غمرة عملية القصف الصهيونية المستمرة، هوت فيها عشرات المنازل التي دكتها القذائف الملتهبة التي تسقط على قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب.وأكدت إحصائية أعدها ديوان الرئاسة الفلسطينية أن عدد المنازل التي دمرها الجيش الصهيوني خلال حربه العدوانية على غزة وبشكل كامل بلغ 4040 فضلاً عن تضرر 16000 بيت بشكل جزئي واحتراق العشرات نتيجة القنابل الفسفورية.. هذا، وجاء في تقرير ديوان الرئاسة الفلسطينية الذي حصلت (الجزيرة) على نسخة منه أن 408 من الممتلكات العامة والخاصة في قطاع غزة دمرت بالكامل كالمستشفيات والمساجد والسيارات والمقرات الحكومية والوزارات والجمعيات والمصانع ومكاتب الصحفيين والمقابر والمتنزهات ومحطات الوقود، في حين نفذت الطائرات الحربية الصهيونية 784 غارة ضد قطاع غزة باستخدام القنابل الارتجاجية والحارقة والفسفورية والفراغية والمحرمة دولياً.
وفيما يتعلق بعمليات الاجتياح ذكر التقرير أن قوات الاحتلال نفذت 34 عملية في قطاع غزة مما تسبب بنزوح جماعي وتهجير قسري لعشرات آلاف المواطنين منهم أكثر من 30 ألف مواطن لجؤوا إلى عشرات المراكز التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
وسبق أن أعلن - جون غينج - مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة أن عدد الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى مدارس (الأونروا) في غزة بلغ نحو 35 ألفاً، مؤكداً أنهم يعملون على فتح مراكز جديدة لاستقبال مزيد من المدنيين.
واختارت آلاف العائلات الفلسطينية في قطاع غزة مغادرة منازلها خوفاً من القصف العشوائي، ومن لم تتوفر له عائلة وأقارب يلجأ إليهم، توجه إلى مراكز خصصتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) لآلاف النازحين من القصف.
ويقول المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة إن الوكالة وفرت حتى اليوم الثاني عشر للحرب 27 مدرسة للنازحين في مختلف أنحاء القطاع وخاصة في رفح وخان يونس جنوباً، وفي المنطقة الوسطى وجباليا شمالاً، فيما وصل عدد الملاجئ في اليوم العشرين للحرب إلى 31 ملجأً.وحسب أبو حسنة، فقد اشتد تدفق العائلات النازحة والهاربة من القصف خلال الأيام الأخيرة وخاصة مع العملية البرية ضد قطاع غزة.
وأوضح أبو حسنة إن النزوح في بداية العدوان كان بسيطاً، لكن بعد بدء العملية البرية أصبح العدد كبيراً، مضيفاً: (حالياً نستقبل 36 ألف نازح والعدد مرشح لزيادة كبيرة خاصة بعد تهديد معظم أهالي رفح جنوباً بهدم منازلهم، وحتى اليوم تبدو منطقة جباليا في شمال قطاع هي الأكثر نزوحاً).