تحقيق - محمد سليم اللحام
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة عظيمة الأهمية في الشرع المطهر حتى عده بعض العلماء الركن السادس في الدين فهو يهدف لتحقيق مصلحة الأمة ونجاتها في حين أن إهماله خطر عظيم وفساد كبير ويؤدي لاختفاء الفضائل وظهور الرذائل.
ولقد بين الله سبحانه وتعالى منزلته في الإسلام بتقديمه على الإيمان في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} وذلك لما له من مكانة.
ويقوم على تنفيذ هذه الشعيرة في بلادنا الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ما لبثت تقدم ما لديها من خير وتسعى للمزيد في صالح المجتمع.
ولنا هنا وقفة تأمل للنظر في حال رجال الهيئة حيث يعايشون صورا ذهنية متباينة فكان هذا التحقيق.
وراء ذلك؟!
بداية شاركنا فضيلة الشيخ عيسى بن عبدالله المطرودي القاضي بمحكمة حائل حيث قال إن المتأمل في الواقع يجد أن الناس يعيشون بين إفراط وتفريط طرفين ووسط في جل الأمور إن لم يكن في كل الأمور فتجد مثلا من يصف رجال الهيئة بالتشدد والحماس الزائد.. إلخ، وبالمقابل من يقول عكس ذلك، ولعل الأقرب أن نقول إن رجال الهيئة بشر يتصفون بالصفات البشرية من الحسن وضده (سنة الله في الحياة) مع الإيمان بأن نبينا بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
وأرجع فضيلته الأسباب التي ربما دفعت البعض لنعت رجال الهيئة بهذه الأوصاف إلى الاعتقاد بأن الأصل فيهم الكمال أو العصمة من الأخطاء!! وقال: وهل الكمال إلا لله؟ ومن المعصوم غير الرسل وليس في كل شيء ولكن فيما يبلغون عن الله؟
وأضاف: وقد يكون الدافع أن رجال الهيئة يحولون بين الناس وشهواتهم المحرمة وقد جبلت النفوس الضعيفة على كراهية من حال بينها وبين ما تريد وإن كان ما تريد فيه عطبها، وإذا وجدت الكراهية عند من لم يلزم نفسه بتعاليم الإسلام فلا غرابة أن تقول له نفسه الأمارة بالسوء كل قبيح، ومن الأسباب قصر نظر المتكلم وعدم العدل في نظرته فتجد من يتكلم في رجال الهيئة لأن عينه وقعت على خطأ في حين تجاهل الحسنات التي تغمر الخطأ ومعلوم أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، ومما يدفع لذلك التأثر بمن يصورن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بما لا يليق بمسلم فضلا عن رجل يدعو بدعوى الرسل لأنهم يدركون أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه صمام الأمان للمسلمين وهم يريدون ضده.
وأضاف الشيخ المطرودي: ومن الأسباب كذلك الجهل فمن الناس من يعتقد أن الحكمة في الدعوة هي اللين ولا يعلم أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه فالحكيم لين في موضع اللين وشديد قوي عند الحاجة لذلك فرجال الحسبة أطباء للمجتمع وهل يلام الطبيب عند بتر العضو الفاسد في المريض لسلامة بقية الجسد. وأردف فضيلته: ولا غرابة أن يوصف رجال الهيئة بالغريب من الأوصاف لأنه قد وصف صفوة الخلق الرسول صلى الله عليه وسلم بكل نقيصة. واستدرك: نعم قد يقع رجال الهيئة في الخطأ وتساءل ولكن ما هو العلاج؟ هل تزول الأخطاء بحديث المجالس؟ بل هل يصلح المجتمع بالغيبة المحرمة؟ وأجاب أن العلاج يكون بالنصيحة امتثالا لأمر نبينا إذ يقول صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال الله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
إشفاق ورحمة
من جانبه دعا فضيلة الأستاذ الدكتور بالجامعة الإسلامية علي بن إبراهيم الزهراني المحتسب للتحلي بالصبر والحلم والحكمة حتى يقوم بواجبه ويحقق رسالته وترفع درجته عند الله عز وجل حيث يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبينا أن على المحتسب أن ينظر للعصاة والمخالفين نظرة إشفاق ورحمة فهو يراهم كالواقفين على حافة واد عميق سحيق في ليلة ظلماء يخاف عليهم السقوط في حمأة الرذيلة والفساد فدفعه ذلك إلى بذل الجهد والعمل الدائم المستمر لإنقاذهم من الهلاك، وفي سبيل ذلك تحمل ما يصدر منهم من سخرية أو سب أو استهزاء فحاله كحال رجل يرمي الشجرة النافعة بالحجر وترميه بالثمر، وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك قالوا عنه: ساحر وشاعر ومجنون.. إلخ موضحا أن على المحتسب التدرج في وسائل رفع المنكر ليحقق ما يسعى إليه لأن في حسن التعامل والرفق تربية وفي الزجر والغلظة والمنع علاج، وفي التحذير وتدارك الأخطاء والمنكرات قبل وقوعها وقاية.
يجب ولا يجب!!
وتظل المواقف الميدانية لرجال الهيئة محور جدل الكثير من العامة هل كان عليه أن يقوم بذلك أم لا وما هو منطلق هذا التصرف وذلك دون دراية لخلفيات القضية وملابساتها. وللوقوف على جلية الأمر التقينا الشيخ خالد الذبياني الآمر المناوب في فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة المدينة المنورة فقال: لقد تعرضت لموقف إبان عملي في هيئة محافظة بدر ونتج عنه إسلام ثلاثة أفراد أثر حضورهم إلى مركز الهيئة بعدما أمضوا شطرا من أعمارهم غير مسلمين فهم عصبة همتهم الدنيا وجمع المال ولذلك احترفوا النصب على الناس وأخذ أموالهم بالباطل فيما يسمى ب(اليانصيب) والسحب حتى وقع في شركهم كثير من المسلمين وعند التقصي عمن يقف خلف هذا العمل اتضح أنه رجل من جنسية أجنبية ويعمل في محل لبيع الملابس منذ أكثر من عشر سنوات ويستعين بمجموعة من أصدقائه فتم نصح الجميع مع الاستعانة بداعية من مكتب توعية ودعوة الجاليات وبعد يومين تقريبا أسلم هو وصديقه وزوجته وحضر المسلم الجديد للمركز فقمنا بتهنئته لإسلامه.
عارض ودائم
ومع سمو مقاصد رجال الهيئة في الميدان وعظم ما يعترضهم من عقبات يخضعون لمقياس العامة في التقييم من خلال ما يرى دون ما يعلم، ومع قسوة الرؤيا إلا أنها قد تكون خطوة في طريق المعالجة وخطوة في طريق السمو بأخلاق المجتمع، وحول من يطلق حكم عشوائي على أعمال رجال الحسبة من خلال موقف رآه أو سمعه دون تثبت بين الشيخ إبراهيم الخضيري قاضي محكمة التمييز بالرياض أن رجال الحسبة أو رجال الأمن أو رجال القضاء أو رجال التعليم كل في محله وبحسبه لهم مكانة في الإسلام مهمة ولكن تأتي قضية موقف رجال الحسبة ذات قطبين؛ الستر على المسلمين تطبيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) والقطب الثاني قول الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} فهم من جهة ما فطرنا الله وإياهم من بغض للمنكرات ونفور منها وبعد عنها يمتعضون ويتغيظون ويغضبون لله عز وجل وهذا الشعور عندهم يؤجرون عليه لأنه لله عز وجل وإذ تمعر وجه الإنسان لله تعالى فإنه على أجر عظيم وخير كبير ولذلك جاء في الحديث الذي روي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين قال اقلبها عليه فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط)، فقضية تغيير المنكرات من أهم القضايا في الأمة المحمدية ومتى تركت أمة تغيير المنكر والأمر بالمعروف فإنها تهلك فهو سفينة النجاة وقد عده ابن القيم وابن تيمية وجمع من المحققين ركنا سادسا من أركان الإسلام وهو لون من ألوان الجهاد في سبيل الله عز وجل ولهذا فإن الذي ينظر لرجال الهيئة وهم يقبضون على مجرم ويتعاملون معه قد يأخذ الصورة الظاهرة فيظن أن هؤلاء قوم يتشفون بالقبض على فلان من الناس وفلان ويسرون لذلك ويحمل هذا التصرف كل ما تحمله الصورة الظاهرة من معنى بينما نجد أن الحقيقة التي لا غبار عليها أن رجال الهيئات قد قبضوا على شخص واحد وهو الذي رآه هذا الإنسان أمام عينيه وتركوا ثلاثة أشخاص مثلا من باب الستر لأنهم رأوا أن الستر على الثلاثة يعيدهم إلى التوبة وقافلة الاستقامة وسفينة النجاة بينما هذا الرجل الذي قبض عليه رأوا أنه استمرأ الإجرام وجاهر به وتعمده وعلى هذا الأساس خفي على الناظر هذا القطب وهو قطب الستر وصيانة أعراض المسلمين ونظر إلى القطب الأول ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجردا عن عراه التي لا يقوم إلا بها وهي التثبت والتحقق وإذن ولي الأمر أو من يمثله والنظر في عواقب الأمور ومصالحها على ضوء كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهم لا يتحركون إلا بميزان وبتوجيهات وعندهم علماء أفاضل ولهم مكانتهم المرموقة في الأمة وهذا الإنسان الذي أخذته العاطفة فنظر إلى هذه الزاوية فقط فأخذ يلت ويعجن وربما كتب بها المقالات تلو المقالات ونسى المسكين أن هؤلاء حراس الأمن من لصوص القلوب ولصوص الأعراض وأنهم جهة أمنية دينية متمكنة من العلم الشرعي ومن التوجيهات التي تأتيهم من علماء شرعيين ومن الصلاحيات التي يستمدونها من ولي الأمر وفقه الله تعالى.
وأكد فضيلته أن انتقاد هؤلاء الرجال وهم يمارسون مثل هذا العمل من قبل بعض الأشخاص إنما يأتي في طور نسيان الإيمان بالقضاء والقدر وأن الله جل وعلا أمرنا ألا نرأف بالمجرمين الذين يجاهرون بالمعاصي قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} في قضية الزنا، وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}
وأكد فضيلته أن رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم من خيرة وصفوة الأمة وهم من أفاضل المجتمع الذين جعل الله سبحانه وتعالى لهم مكانة طيبة ومرموقة في الأمة ولا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق وبالتالي نجد أن هناك من ينتقد المملكة العربية السعودية من زاوية أنها تميزت بوجود هيئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهي شامة على جبين هذه الدولة منذ القدم.
* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.