إنّ من أعظم أسباب الانحراف عن الحق والدين هو الاغترار بهذه الدنيا؛ فهي لا تزال تكثر على العبد الشهوات والشبهات حتى يقع أسيراً بل أجيراً بلا مقابل، وهنا تقع المصيبة، حيث يحصل الانشغال عن الآخرة التي إليها معادنا..
إن الانغماس في الدنيا وملذاتها يؤدي إلى قسوة القلب ورقة الدين وغفلة العقل عما خلق لأجله، فيبدأ المرء بالاستجابة لمؤثرات داخلية وخارجية تقذف في نفسه الوهن والحيرة والتردد فيكون ضحية من ضحايا هذه المغرورة..
ومما لا شك فيه أن الترف والإسراف في جميع شؤون الحياة من أسباب هلاك الأمم؛ قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}
وهنا ينبغي أن نتذكر أن الإسلام دين جد وعمل وانضباط وأمل لا إفراط ولا تفريط وأن عيش اللاهين المفرطين ليس من أخلاق الإسلام في شيء، فالمسلم يعرف جيدا قيمة الوقت؛ فنحن في زمن لا يمكن بحال أن ترقى حضارتنا فيه بأمور تافهة من الملاهي والمسارح والاحتفالات.. ولعلنا نتساءل: ماذا استفدنا من ذلك؟ وما هي الثقافة التي روجتها لنا؟ وما هي الفضيلة التي خرجنا بها؟ إننا بحق في حاجة ماسة للحفاظ على مقدرات هذه البلاد، ولن يكون ذلك عن طريق المعاصي والآثام؛ فاستمرار النعم إنما يكون بالشكر قولا وعملا لا كما تقوم به بعض مؤسسات العمل الفني وما سواها؛ إذ إن الواجب على هذه المؤسسات أن تبذل ما بوسعها لخدمة الدين ونشر الخير والفضيلة، وبذا تحصل المواطنة الحقة بحفظ الإيمان ونشر الأمن، فالأمر جد خطير؛ يقول الحق جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
ومما يحزن كثيراً أن بعض المثقفين قد انساق وراء شبهات وشهوات من حيث يدري أو لا يدري، كان الأجدر به أن يقف ويتأمل وأن يحاسب نفسه ثم سأل أهل الذكر الذين أوصى الله سبحانه وتعالى بهم فقال:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}؛ لأن ما يكتب شاهد له أو عليه يوم القيامة، ثم ليمعن التفكير في نعم الله الظاهرة والباطنة على بلاد التوحيد بلاد الخير والفضيلة.فليت شعري أين الناصحون المشفقون على دينهم ووطنهم؟ أين أصحاب الفضيلة والعفاف الذين يسيرون في هذه الحياة على شريعة ربهم يرجون رحمته ويخافون عذابه؟ قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}
mohammed2244@hotmail.com