وافتنا الصحف في الأسبوع الماضي بخبر جلد عامل في إحدى محلات العطور ثمانين جلدة بعد تحرشه بامرأة وقد نفذ الحكم فيه بين مجمعي صحارى وحياة شمال الرياض، ولي وقفتان مع الخبر:
|
الوقفة الأولى: لله در هذه الأخت؛ فقد أعطتنا درساً في معاني الشجاعة والإيجابية ومجابهة الظلم والمطالبة بالحق والوقوف ضد البغي، ولست أشك أن هناك العشرات غيرها تعرضن لموقف مشابه ولكنهن تثاقلن وأحجمن ولم يحركن ساكناً ولم يفعلن شيئاً، وصدهن عوائق متوهمة وعوارض هشة مما جرأ الذين في قلوبهم مرض على التمادي في الضلال وركوب الهوى ومواصلة الطغيان، وأحسب أن لسان حالهن يقول: من سيسمع لنا؟ ومن سيصدقنا؟ وربما انتشر خبرنا وتشوهت سمعتنا! وألف تساؤل ومخذل تبقى الآلام معه حاضرة والمواجع كامنة! ومعه يكملن الحياة يحرقهن القهر ويمزقهن الغيظ! ولقد حكى لنا التاريخ بطولات نساء روضن الصعاب وتخطين رقاب الموانع، ألم تحرك إنسانة ضعيفة الجيوش الإسلامية لحظة صرخت بأعلى صوتها عندما تحرش بها العلج مستغيثة بالمعتصم ولم تتجاوزه الصرخة رحمه الله؟ وقبلها أنزل الله قرآناً يُتلى بسبب امرأة (خولة بنت ثعلبة) عندما اشتكت جور زوجها رافعاً الظلم عنها وعن غيرها من النساء, وقد سن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - تشريعاً يحفظ حق الفتاة ويكفل لها حرية القرار في اختيار من تتزوج وذلك عندما تظلمت فتاة (أسماء بنت عميس) من والدها الذي أجبرها على الزواج من ابن أخيه, وما زال التاريخ يذكر صرخة (روزا باركس) ضد العنصرية في أمريكا عندما رفضت القيام من مقعدها في أحد الباصات لرجل أبيض، حيث كان القانون يمنع السود من الجلوس في الباصات فتصدت وبشجاعة ضد الظلم وكانت الشرارة التي أشعلت ثورة السود وأرجعت لهم شيئاً من حقوقهم وكرامتهم!
|
وما في الشجاعة حتف الشجاع |
ولا مد عمرَ الجبان الجبنُ |
* إلى كل من ابتليت بزوج ظالم يسومها سوء العذاب قد حمل عصاه على عاتقه يسقيها كؤوس المرارة ليلاً ونهاراً.
|
* إلى كل فتاة يمضي يومها في بكاء وألم، تئن من جبروت أخ متسلط ينال من كرامتها ويعاملها معاملة الجاريات.
|
* إلى كل فتاة تعرضت أو تتعرض لتحرش من أي شخص كان قرب أو بعد.
|
* إلى كل شخص رجل كان أو امرأة قد طال حزنه وتراكم غمه وهطلت سحائب الهم عنده وسالت أودية الكرب في حياته.. تشجعوا وردوا الظلم عن أنفسكم واطردوا المهانة اصرخوا بأعلى أصواتكم، فالله خلقكم لتعيشوا عيشة كريمة رفيعة القدر عالية المكانة، ولم يكتبها عليكم حياة مشبعة بالأحزان عامرة بالكمد.. ارفعوا أيديكم تجاه الأوغاد واصفعوهم.. أفصحوا عما في قلوبكم ولتجعلوا للأحزان نهاية وللغموم انحساراً, قفوا في وجه الأنذال وسيهبكم الجبار نصراً من عنده وستجدون بإذنه تعالى من ينفس الكرب ويزيل البث.
|
الوقفة الثانية: تحية للمسؤولين في إمارة الرياض وعلى رأسهم أمير المنطقة الأمير سلمان - حفظه الله - على همتهم العالية وجهودهم الكبيرة، وأشد على أيديهم مطالباً باتخاذ أمثال تلك الخطوات الفعالة، فلا معنى لمعاقبة مجرم في ركن منزو دون أن يتعظ أقرانه! فليكن العقاب تحت مرأى وسمع الجميع، ولقد أخبرني أحدهم أن معدل الجريمة يقل في حي في يوم تنفيذ العقوبة على جان في نفس الحي! فالبعض لا تردعه موعظة ولا توقفه نصيحة ولا يحجبه حياء فلم يبق إلا أن يرى بعينيه لعله يرعوي ويتعظ ! فمشهد جلد العامل لا أشك أنه سيجعل ضعفاء النفوس يترددون كثيراً في أن يسلكوا سبيل الإجرام وينتهجوا نهجه كلما تذكروا تلك السياط الموجعة وقد انهالت على ظهر المعتدي تؤدبه وقد ذاق وبال أمره فجعلت منه مثلاً مضروباً وعبرة ظاهرة وأحدوثة سائرة، وليعلم كل من فسدت نيته ومرض قلبه أن عاقبة أمره خسر وخاتمته شر.
|
|
زئيرُ الأسد لا يكفي لقتل الفريسة!
|
|
|