حزنت بعمق مثلما حزن إخوانك وأحباؤك ولكن هذه إرادة القدر {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
نعم، رحل فقيد الصحافة السعودية والعربية الزميل طلعت وفا رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وجميع أحبائه الصبر والسلوان.. رحل بعد أن طبع في قلوبنا محبة لن ننساها، لما عرف عنه من دماثة في الخلق وتعاون مع الجميع كباراً وصغاراً، ليس من الآن بل أكثر من 30 عاماً أيام الدراسة الجامعية. تزامنا في تغطية الأحداث من مختلف دول العالم وكان مثالاً للتواضع والإخلاص والتضحية. حيث اعتبر الراحل الفقيد من أنشط الصحفيين السعوديين أداء وإنتاجاً والتزاماً لمهنته الصحفية داخل المملكة وخارجها وهذا ما عهدته فيه.. رحل ولم يقل وداعاً، وترك الجميع بحسرة وألم، يقولون وداعاً.. وداعاً وفا.
حياته..
وكوّن الراحل علاقات قوية مع المسؤولين داخل المملكة وخارجها، حيث اعتبر صحفياً من نوع خاص، متابعاً دقيقاً للأحداث السياسية والمهمة، بحضوره الشخصي، وذلك بمشاركته في العديد من المؤتمرات والاجتماعات المحلية والإقليمية والدولية المهمة على مدى أكثر من ربع قرن، واستسقاء مادته من نفس الحدث التي جعلته يحقق أهدافه بمقابلة رؤساء وزعماء وملوك دول العالم المختلفة.
زميلنا الراحل حصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام والصحافة من جامعة الملك سعود والماجستير في الاتصال السياسي من الجامعة الأمريكية، ثم أصبح مديراً لمكتب جريدة الرياض في واشنطن، ثم تولى الإشراف العام على تحرير جريدة (الرياض ديلي)، ثم تم تعيينه رئيساً لتحرير الجريدة، واستمر بالعمل بها حتى توقفت عن الصدور عام 2003م ليعمل بعدها مستشاراً لرئيس تحرير جريدة الرياض الذي تمسك به حباً لإخلاصه وتفانيه وتضحيته في العمل. وكان تلميذاً ورفيق درب لرئيس الجريدة.
ومن حبه الصادق لمهنة المتاعب اعتاد أن يحمل آلة التصوير وجهاز الحاسوب وآلة التسجيل بنفسه حيث يقوم بحضور المؤتمرات والمناسبات والتقاط الصور وكتابة التقارير وتغطية الأحداث بشخصية الصحفي المحترف.
صديق الجميع..
ورغم أنه كان ينتمي إلى جريدة الرياض إلا أنه كان يعتبر صديقاً لجميع الصحفيين والصحف السعودية، ولا يبخل على أي صحفي بإمداده بالمعلومة وتزويده بالصور لأنه يحمل في قلبه حب الخير للجميع، فهو رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبهذه الصفة التي أكسبته محبة الجميع وبالتالي حققت له شهرة ونجاحاً إعلامياً واحتراماً كبيراً بين كافة الأجناس.
تحديات المرض..
الذكرى الطيبة والإرادة والرغبة الأكيدة مهما بلغت التحديات كانت مثالاً له حتى اللحظات الأخيرة وهو يصارع المرض ويرفض الاستسلام، مخلصاً لهذه المهنة بروحه الاحترافية بالعمل. لقد كان مستقبلاً للحياة بقدر ما كان يعرف نهايتها، وأثبتت قوة تحمله وقدرته على مكافحة هذا المرض وعدم الاستسلام له فلم يغير المرض من أسلوب حياته شيئاً حيث كان دائماً في مقدمة الصحفيين لأن همه وإحساسه الصحفي يتعدى اهتمامه بمرضه.
التكريم لأهل الوفاء.
وهنا سؤال يطرح نفسه، كيف نكرم هذا الفارس الذي ترجل من على هرم الصحافة؟ وترك الأقلام تتسابق
لتخليد ذكراه؟ ومن سوف يقوم بتكريمه؟ وترك عمل خيري ينفعه في مثواه الأخير وينفع أسرته من بعده؟ هل ستقوم وزارة الثقافة والإعلام؟ أم مؤسسة اليمامة الصحفية؟ أم هيئة الصحفيين السعوديين؟ أم جمعية الإعلام والاتصال السعودية التي كان عضواً بها؟ أم إعلاميو وصحفيو هذا الوطن المعطاء؟ أم يتفقون كلهم جميعاً على هذا التكريم؟
ونرى أن تقوم هيئة الصحفيين تحت إشراف وزارة الثقافة والإعلام بتبني فكرة التكريم وإنشاء صندوق تكافلي لخدمة الصحفيين والإعلاميين وأن يكون التكريم المعنوي والمادي لأسرة الفقيد وتبنى لمشروع خيري للفقيد الراحل يكون صدقة جارية ينتفع بها الآخرون في الدنيا ويثاب هو بها في الآخرة.
إلى جنات الخلد..
نعم كانت خسارتنا فادحة والمصاب جلل، فقدنا أخاً غالياً وصديقاً عزيزاً لم يختلف اثنان في حبه وتقديره.. ستبقى ذكراك -إن شاء الله- خالدة في قلوبنا وسطورك نبراساً لنا وللأجيال القادمة.. نعم.. وألف نعم.. إلى جنات الخلد يا أبا تالا.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
أخوكم ومحبكم
جاسم بن محمد الياقوت - مدير عام فرع الإعلام الخارجي بالمنطقة الشرقية