من أبرز الدروس والعِبر التي يمكن استخلاصها من العدوان الصهيوني الغاشم على أرض غزَّة أهمية العمل على إعادة اللحمة، ووحدة الصف والموقف إلى داخل البيت الفلسطيني فقد أتاح الانقسام والتشرذم الفلسطيني الفرصة للعدو لتصفية حساباته القديمة والقادمة مع الفصائل الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
|
ومن ثمَّ يتحتم على إخوة السلاح، وأبناء القضية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة القيام بمراجعة دقيقة وشاملة لسياساتهم ومواقفهم حيال قضية وطنهم فلسطين، وبلورة إستراتيجية متوازنة تكفل الحدّ الأدنى من الوحدة الفلسطينية، وتعالج حالة الانقسام والتشرذم الحالية، في إطار عام يُحدد الأهداف المرحلية والمستقبلية لمشروع الدولة الفلسطينية.
|
بالنظر إلى جسامة العدوان الحالي وتباعد المواقف الفكرية والإستراتيجية، وحتى الإجرائية، بين الفصائل الفلسطينية، وتحديداً بين حركتي فتح وحماس فقد يكون من الضروري في ظل هذه الظروف الصعبة اعتماد منهجية مرحلية لمسار الوفاق الفلسطيني، يمكن بها تجاوز منحدرات المسار، وطرقه الوعرة، وألغامه المتناثرة، وصعوباته المحتملة.
|
في هذا السياق قد يكون من الملائم في تصوري تقسيم مسار الوفاق الفلسطيني إلى مرحلتين محوريتين، لكلِ واحدة منهما أهدافها، وإجراءاتها، وآليتها:
|
- المرحلة الأولى (مرحلة إزالة آثار العدوان):
|
|
- وقف العدوان الغاشم بكل السُبُل الممكنة، وإنقاذ أهالي غزَّة من المحرقة الصهيونية التي فاقت كل الحدود، وتجاوزت كل الخطوط بالتنسيق الفعَّال مع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وأمانة الجامعة العربية، وقوى العالم الخيِّرة.
|
- تأجيل البتّ في كل القضايا والملفات العالقة بين الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، ومنها ملفات: الانتخابات التشريعية والرئاسية، ومشروعات السلام، والاتفاقيات المبرمة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل إضافة إلى الإشكالية المصاحبة لانتهاء الفترة الرئاسية الحالية لرئيس السلطة الفلسطينية.
|
- تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات مهام زمنية محددة تعمل على:
|
1. فك الحصار الظالم الذي ضرب بأطنابه كل أوجه الحياة داخل قطاع غزَّة فأضحت بإفرازاته: الشِّدة، والكَبَد، والمعاناة، والجوع، واللأواء، والجهد، والضَّنك مترادفات لحياة يومية شديدة القسوة والمرارة. وقد يكون من المناسب خلال هذه المرحلة إعادة العمل باتفاقية تشغيل المعابر المبرمة في عام 2005م، خاصة معبر رفح، فالمصلحة والحاجة الإنسانية الملحة تستلزم تأجيل أو تجاوز الخلاف المحتدم بين فتح وحماس بشأن اتفاقية التشغيل هذه بكل بنودها وآليتها.
|
2. إعداد خطة إنقاذ عاجلة بتمويلٍ مباشرٍ من الصناديق العربية والإسلامية والدولية لمعالجة آثار العدوان الغاشم على غزَّة، وإعادة بناء وترميم تجهيزاتها الأساسية، ومساكنها، ومنشآتها الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
|
- المرحلة الثانية (مرحلة الوفاق الفلسطيني) وهي مرحلة انعقاد جلسات الحوار الفلسطيني - الفلسطيني لمعالجة القضايا والملفات العالقة، والخروج برؤية مستقبلية واضحة المعالم والمقاصد والأهداف.
|
|
- تحديد الطَّرف الراعي لاجتماعات الفصائل الفلسطينية، وهما في الأغلب جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية لما لهما من مكانة ونفوذ مباشرين على الصعيدين الإقليمي والدولي.
|
- تحديد جدول أعمال يتضمن نقاط الخلاف، والملفات والقضايا العالقة.
|
- التزام الفصائل الفلسطينية بعدم التعاطي مع المصالح الدولية، أو الإقليمية بما ينعكس سلباً على قضيتهم، ومشروع دولتهم.
|
- التزام الفصائل الفلسطينية بالمشاركة الفعَّالة في جلسات الحوار، والتعامل مع أجندتها بمصداقية، وحِكمة، وموضوعية، وشفافية، وبما يساعد على وصول المجتمعين إلى قواسم مشتركة، ورؤية إستراتيجية واضحة ترسم ملامح المرحلة الحالية والمستقبلية لمشروع الدولة الفلسطينية.
|
- إنشاء هيئة تحكيم محايدة وفق آلية محددة برعاية منظومة الجامعة العربية تكون بمثابة المرجع القانوني والقضائي للبتّ في قضايا الخلاف، وتصطبغ أحكامها بصفة الإلزام والنفاذ.
|
الفلسطينيون اليوم بحاجة ملحة إلى القفز فوق الجراح والخلاف، والاختلاف، وتوحيد الصف، والموقف، والرؤية، واستشعار المسؤولية الوطنية، ونبذ اللَّمز والهمز، وكل مفردات الخيانة، أو تحميل المسؤولية هذا الطرف أو ذاك. فهذا هو المدخل والمنطلق لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية.
|
دون ذلك ستظل قضيتهم لعبة يتقاذفها الأعداء، وأصحاب المصالح الضيقة، والشعارات الزائفة، الساعين إلى بسط هيمنتهم ونفوذهم الإقليمي من خلال تأجيج النزاع والانقسام، ودفع أجنحة من الفلسطينيين إلى مواجهات غير محسوبة مع العدو. وهذا يعني بمقتضى الحال خسارة المزيد من أوراق الدعم والمساندة والتأييد.
|
|
كُونُوا جميعاً يا بَنيَّ إذا اعْترى |
خَطْبٌ ولاَ تَتَفَرَّقُوا أَفْرادَا |
تأْبَى العِصِيُّ إذا اجْتَمعْنَ تَكَسُّراً |
وإذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا |
|