الرياض - منيرة المشخص
غزة عروس، إحدى عرائس فلسطين العربية المحتلة, كان لها وما زال موعد مع الدماء والمجازر الصهيونية المتواصلة وسقوط مئات من الشهداء من أبنائها وجرح الآلاف من الأبرياء الفلسطينيين لا ذنب لهم إلا أنهم أبرياء أرادوا الدفاع عن أرضهم المغتصبة من قبل مغتصب صهيوني يعتبر أكبر عدو في تاريخ البشرية قاطبة, غزة تسبح في محيط من دماء وأبنائها الشهداء وكل حجر فيها يشهد بذلك ووصمة عار في جبين إسرائيل وكل من ساندها في ذلك غزة تعيش في هذا العام منذ الاجتياح الإسرائيلي لها في 27 كانون الثاني, قتل وخراب وعدوان سافر والمحصلة اللانهائية ضياع لصوت استغاثة أبنائها مع رياح الخلاف بين دول العالم حول من مع من؟ ومن ضد من؟(الجزيرة) استجلت آراء بعض المختصين حول الأسباب والسكوت الذي تتخذه كعادتها أمريكا ورؤساؤها على مدى تاريخها منذ احتلال فلسطين إلى جانب سكوت الدول الأوروبية عن التجاوزات الصهيونية.
بداية تطرق رئيس قسم العلوم السياسية- جامعة الملك سعود، الدكتور عادل بن عبدالكريم العبدالكريم إلى أهم أسباب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قائلاً: أعتقد أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من مجازر وأعمال إجرامية لها أهداف محددة وواضحة ومعلنة وهذا عادة ما يقوم به القادة الإسرائيليون، ومن أهم هذه الأهداف في هذه المرحلة هو القضاء على حركة حماس أو تحجيم قوة حماس على الأقل في قطاع غزة. ولقد كررت القيادات الإسرائيلية تأكيدها بأنها سوف تقوم بتدمير حركة حماس في غزة، ومن ضمن الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها في هذه الأيام هي السعي لتصفية القيادات الفلسطينية وخاصة قيادات حماس في قطاع غزة وأعتقد أنها استطاعت أن تقضي على بعض القيادات وتسعى للوصول للبعض الآخر، وأضاف العبدالكريم: ويعمل الجيش الإسرائيلي الآن على القضاء على منصات إطلاق الصواريخ من داخل غزة وذلك من خلال العمل العسكري البري والجوي.
والملاحظ على الجيش الإسرائيلي في هذه العملية هو عدم اكتراثهم بأي ضحايا مدنيين والعمل بشكل همجي لتحقيق ما وضعوه من أهداف عسكرية دون النظر لما ألحقوه بالمدنيين أو الأهداف والمراكز المدنية، وهذا جزء من الجريمة الإنسانية التي تقوم بها إسرائيل وهذا يمكن اعتباره على ضوء القانون الدولي (إرهاب دولة).
ويرى الدكتور عادل أن هناك أهدافاً لدى إسرائيل حول ما تقوم به من عمليات إجرامية فأوضح ذلك قائلاً: في اعتقادي أن إسرائيل دائما وأبدا ما تقوم بوضع مجموعة من الأهداف التي تسعى لتحقيقها من خلال أعمالها العسكرية والإجرامية، ولعلنا نشير إلى أن الإسرائيليين عادة ما يحاولون تغيير الواقع في الأراضي المحتلة وذلك من خلال خلق واقع جديد ويقومون بالمطالبة بالتفاوض حوله وهذا هو الحال في العديد من المناطق وخاصة مدينة القدس المحتلة وعملية تهويدها المستمرة وتوسعها في بناء المستوطنات والهدف منه هو تغيير الحقائق على أرض الواقع وذلك من أجل خلق واقع جديد والتوسع في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل دون الأخذ بالاعتبار الحقوق الشرعية للعرب والفلسطينيين ويقول حول الموقف الأمريكي الصامت عن هذه الجرائم والمجازر التي تقوم بها إسرائيل: الموقف الأمريكي تجاه ما يحدث في غزة يعتبر موقفاً غير مستغرب عليها وعلى قادتها السياسيين، فمن الناحية التاريخية كانت وما زالت الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأقوى والمؤيد لإسرائيل ولأعمالها الإجرامية فنحن لا نستغرب مثل هذا الموقف ونعتبر هذا السكوت جزءاً من طبيعة العلاقة التي تجمع إسرائيل بالولايات المتحدة الأمريكية. ويضيف قائلاً: فالملاحظ أن إسرائيل وقادتها السياسيين تستغل هذه الفترة التي تعتبر فترة تحولية ما بين الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة المنتخبة الجديدة بقيادة باراك أوباما.
ويختم الدكتور عادل العبدالكريم رأيه قائلاً: ولعلنا نشير إلى ما وعد به الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما بأنه سوف يقوم فور توليه منصب الرئاسة بمعالجة الأوضاع في غزة والواضح بأن أوباما مطلع تماما على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وعبَّر في أكثر من مناسبة عن قلقه تجاه الأوضاع في غزة وما يحدث فيها هذه الأيام وهذا مؤشر إيجابي على أن الإدارة الأمريكية القادمة ستكون مهتمة بشكل أكبر بقضايا الشرق الأوسط وستعمل على إيجاد حلول لها وهذا يتوافق مع الروح المتفائلة عند العرب والمسلمين عندما تم انتخاب باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.
من جانب آخر قال العميد سعد بن عمر آل عمرو (عميد قوات خاصة) والباحث في مجال العلاقات الدولية والإستراتيجية: الدولة العبرية لها إستراتيجيتها التي تبنيها على حسب المصالح والخطط الحربية التابعة للجيش الإسرائيلي بالتنسيق التام والكامل - حسب ما يظهر لنا- مع وزارة الخارجية الإسرائيلية ومراكز البحث العلمي التي تهتم بها الدولة العبرية وتعتمد كثيراً من النتائج التي تظهر لهم من تلك الأبحاث والخطط والدراسات على أرض الواقع. فالجيش الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى حرب كهذه لعدة أسباب: أول هذه الأسباب في نظري هو إعادة الهيبة للجيش المنكسر لثلاث حروب متتالية في لبنان، وحصار غزة كل هذه المدة بني على التجربة الأمريكية في العراق، إذ يظل الحصار منهكا للشعب حتى إذا ما وفد الغازي تلقاه المواطن بالترحاب وهنا قدر الجيش الإسرائيلي أن الفلسطينيين بعد هذه المدة من الحصار ستوهن عزائمهم وتضعف حماس التي تتولى شؤون غزة وهو ما لم يحدث.
وأردف العمرو: ثاني الأسباب هو دفع الدماء في الجيش الإسرائيلي وعدم ركونه إلى الدعة والخمول وجعله دائماً في حراك وتطوير، فهو يعيش فيما يعتقده بين بحور من العداء رغم الاتفاقات الموقعة مع بعض الدول المجاورة إلا أن شعوب المنطقة لم تتحمس لهذه الاتفاقيات بل كثيراً من الشعوب العربية لا تعترف بها رغم التوقيع عليها من قبل حكوماتهم، لذا فالجيش الإسرائيلي وعبر تاريخه منذ قيام الكيان اليهودي عام 1948 لم يكد يمر عشر سنوات إلا ويحدث فيها حربان كبيرتان على الأقل للجيش الإسرائيلي وفي هذا العقد وقعت للجيش الإسرائيلي ثلاث حروب، حرب غزة هي الثالثة، فلا بد من دراسة إستراتيجية الجيش الإسرائيلي ومعرفة خططه للتنبؤ بم قد يقدم عليه هذا الجيش، فكل ثلاث إلى خمس سنوات لا بد أن يقوم بتحرك على مستوى كبير لرفع جاهزية الجيش على الدوام وما حرب غزة إلا أحد هذه التدريبات التي يعتمدها الجاني الإسرائيلي ليبقى عالي الجاهزية.
ويواصل العميد سعد حديثة قائلاً: الهدف الثالث المرئي في نظري هو إضعاف حماس بعد أن انتظرت أن تضعف من قبل الآخرين لذا وجدت الفرصة أمامها حتمية لتقوم بهذا الدور ومحاولة إضعاف القرار الفلسطيني عند الانتهاء من إشكال حماس وقوتها الشعبية المتنامية بالإضافة إلى موافقة عدة أطراف لهذا الهجوم أولها الجانب الأمريكي. وأضاف: كذلك التخلص من المخزون الهائل من الذخيرة التي تنتهي صلاحيتها فتقوم الحكومة الإسرائيلية ببيعها أو باستغلالها في أوقات محددة لصالح الجيش الإسرائيلي وفق خططه المدروسة إضافة إلى أخذ زمام المبادرة التي درجت عليها الدولة العبرية وكذلك لا ننسى محاولة تجربة أسلحة جديدة في هذه الحرب.
ويواصل آل عمرو حديثه قائلاً: أما الخطط الإسرائيلية تجاه باقي الأراضي الفلسطينية فهي لا تخفى على الفلسطينيين لكن الحكومة العبرية لا تقوى على فتح أكثر من جبهة في وقت واحد وعند المغامرة تلك تجد الأمور في غير صالحها.
وفي توضيح منه عن سبب التزام الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما الصمت لفترة من الزمن عما يحدث في غزة في حين تحدث عن أفغانستان والعراق حيث قال: إسرائيل وفي كثير من الأحيان تختار وبحكمة توقيت تحركاتها وفي فترة تسليم الرئاسة الأمريكية من الرئيس السابق إلى الرئيس المنتخب تجدها فرصة، وهي المدة المحددة بشهر تقريباً فهذا رئيس مودع وذاك لم يلزم بعد القرار الأمريكي، لقد لاحظنا في فترات سابقة قيامها بمثل هذه الأعمال الوحشية ضد جيرانها العرب وبتوقيت مشابه.
وحول خروج الجانب الأمريكي عن صمته بعد سقوط قتلى في الجانب الإسرائيلي فبين ذلك قائلاً: الجانب الأمريكي معروف بانحيازه الكامل إلى الجانب الإسرائيلي. وفي السياق ذاته لا يرى الأستاذ صقر أبو فخر وهو كاتب في الشؤون السياسية في جريدة (السفير) اللبنانية أن ما يحدث في غزة هي محاولة لصرف الأنظار عما يجري في فلسطين قاطبة وذلك بقوله: لا، على الإطلاق. أنا لا أعتقد أن المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني بين الفينة والأخرى تهدف إلى صرف الأنظار عما يجري في المسجد الأقصى والعراق وبقية المدن الفلسطينية. لأن ما يجري في غزة هو حلقة في سلسلة طويلة من الصراع والمعارك والمجازر. بالأمس كانت هناك مجزرة في مخيم جنين، وقبل ذلك في الحرم الإبراهيمي في الخليل، ولاشك أننا نتذكر جميعاً المجازر المتمادية في الضفة الغربية إبان الانتفاضة الثانية وحصار الرئيس ياسر عرفات. لذلك لا أظن أن أي مجزرة جديدة يراد لها أن تخفي أموراً أخرى، بل إن جميع هذه الأمور هي ميدان للصراع الطويل بين الفلسطينيين الذين يطمحون إلى الحرية والاستقلال وتقرير المصير بما في ذلك تحرير القدس وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وبين إسرائيل التي تمثل اليوم ذروة الاستعمار الكولونيالي، وتمثل، في الوقت نفسه، آخر معقل للاستعمار بعد أن تحررت جميع شعوب الأرض في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
ثم إن فكرة هدم المسجد الأقصى لدى بعض الجماعات اليهودية والصهيونية لا تحتاج إلى صرف الأنظار، فهي مسألة مكشوفة ويتحدثون عنها يومياً ومن دون قيود، وهم يتحينون الفرصة لتنفيذ ذلك. وما يمنعهم هو موقف المؤسسة الإسرائيلية في الوقت الراهن. ولا عجب إذا صحونا في أحد الأيام على خبر يقول إن أحد المجانين اليهود فجر المسجد الأقصى وأحاله ركاماً.
وحول صمت أوباما قال: ما زالت إسرائيل تعتبر رصيداً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، أي ثروة إستراتيجية، ولها مكانة مميزة في التصور الأمريكي لمنظومة الأمن في المشرق العربي. وأي رئيس أمريكي مهما يكن لونه أو عقيدته لا يمكنه أن يفرط بهذه الثروة، ولاسيما أن القرارات الإستراتيجية لا يتخذها الرئيس وحده أو حتى مع فريق عمله، بل تشارك فيها، بقوة، المصالح الكبرى للولايات المتحدة مثل صناعة الأسلحة وصناعة الصلب والصناعات الغذائية والمصارف والتأمين والبترول وغير ذلك. وهذه المصالح مجتمعة ما زالت ترى في إسرائيل أحد مرتكزات السياسة الخارجية الأمريكية الفائقة الأهمية. لهذا لا نعجب البتة إذا لاحظنا أن باراك أوباما يبقى صامتاً في كل ما من شأنه التأثير في مكانة إسرائيل، لأن مكانة إسرائيل العسكرية أو الأمنية أو السياسية أو حتى الإعلامية هي شأن أمريكي في الصميم.