بصوته المدوي الذي لا يغيب كلما حلت أزمة في عالمنا العربي المثخن بالجراح، وكلماته الحاضرة أبداً عندما تدلهم الأمور وتتشابك القضايا الشائكة، بعقله وحكمته وصلابة مواقفه التي لا بديل للعرب عنها للخروج من محنهم وظروفهم الصعبة، بكل هذا كان عبدالله بن عبدالعزيز بمنطقه ورأيه وتوجهه متألقا وقادراً لأن يهزم أسباب الخلافات العربية، وأن يعيد البسمة إلى شفاه البؤساء منّا، وأن يحرك البوصلة باتجاه المصالحة بين العرب في إنجاز غير مسبوق لا يصدر إلا عن قائد تاريخي عظيم هو عبدالله بن عبدالعزيز.
***
هكذا واجه خادم الحرمين الشريفين أزمة الأمة التي تتفاقم يوما بعد يوم، وهكذا تعامل بقلبه الكبير مع ما يحيق بدولنا وشعوبنا من أخطار، تماما مثلما يفعل كل الرجال الشجعان، ومثله لا يحتاج إلى من يعرّف الآخرين بفروسيته وإقدامه، وبخاصة حين تصل الأمور إلى الحد الذي يهدد مستقبل الأمة ويعرض مصالحها وأمنها للخطر كحال أمتنا اليوم.
***
ففي مؤتمر القمة العربية الذي يعقد الآن في الكويت، ومثلما كان متوقعا، خرج القائد الملهم عن الخطب التقليدية، وقال أمس بكلمات مختصرة ما عبر بها عن ضمير أمته، وخاطب إخوانه بما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدول العربية، مذكراً إياهم بأهمية أن يأخذوا الدروس والعبر واستخلاص النتائج من السياسات الخاطئة التي اتبعها الجميع دون أن يعطي شهادة براءة لنفسه، أو لأي من إخوانه القادة من هذه الأخطاء، مؤملا أن يفتح الجميع صفحة جديدة من الوئام والتوافق لإحلالها في المكان المناسب بدلا من الخلافات والتشرذم والصراعات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من واقع خطير.
***
هكذا هم القادة الكبار، لا يستسلمون للكبوات، ولا ينهزمون أمام أخطاء وتصرفات يمكن تناسيها واعتبارها من الماضي الكريه الذي يجب ألا يعود، فكانت كلماته أمس من ذهب أصيل في افتتاح قمة الكويت، فقد واجه إخوانه القادة العرب بتشخيص للحالة المتردية التي تمر بها دولنا الآن، ما أسفر عنها تلك المناظر البشعة والدامية والمؤلمة التي شاهدناها في غزة، فضلا عن المجازر الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأبرياء من أهلنا في غزة على مسمع ومرأى من العالم.
***
نعم، إن خلافاتنا السياسية - كما يقول عبدالله بن عبدالعزيز -: أدت إلى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا، وما زالت هذه الخلافات عونا للعدو الإسرائيلي الغادر، وإن قادة الأمة العربية مسؤولون جميعا عن هذا الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا وعن الضعف الذي هدد تضامننا، مشيراً إلى أنه لا يستثني أحدا من القادة العرب.
***
هكذا هو -إذن - عبدالله بن عبدالعزيز، وضوح وصراحة وشفافية وقول كلمة الحق في كل المحافل والمناسبات دون مجاملة، أو رياء، ومثله لا يمكن أن يكون إلا هكذا، فتاريخه ومبادئه وإنجازاته تشهد له بالتميز والإخلاص والقدرة على تجاوز الأزمات بوضع حكمته وخبرته وإمكانات بلاده في خدمة العرب، وهذا ليس انطباعاً شخصياً، وإنما هو شهادة استمعت إليها من المراقبين المنصفين الحريصين على مصالح شعوبهم ودولهم.
***
وها هو ضمن مواقفه الحكيمة يناشد إخوانه الملوك والأمراء والرؤساء العرب (باسم الشهداء من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في غزة، وباسم الدم المسفوح ظلماً وعدواناً على أرضنا في فلسطين المحتلة الغالية، باسم الكرامة والإباء، باسم شعوبنا التي تمكن منها اليأس، أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا، وأن نسمو على خلافاتنا، وأن نهزم ظنون أعدائنا بنا، ونقف موقفاً مشرفاً يذكرنا به التاريخ، وتفخر به أمتنا).
***
ولا يكتفي الملك بالمناشدة لرأب الصدع فحسب، لكن عبدالله بن عبدالعزيز كعهدنا به دائماً، ها هو يقول: اسمحوا لي أن أعلن باسمنا جميعاً أننا تجاوزنا مرحلة الخلاف، وفتحنا باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ، وأننا سنواجه المستقبل - بإذن الله - نابذين خلافاتنا، لنكون صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وهكذا يطوي العرب خلافاتهم بكلمة بليغة ومدروسة خاطبهم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لتجد الترحيب والقبول والاستجابة لما دعا إليه زعيم المرحلة ورجلها القوي وفارسها المقدام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.