ووقفت يا أبا متعب يا خادم الحرمين ويا راعي شؤون هذه الأمة موقفاً رجولياً وبشهامة ونخوة وكلمة حق أنقذت بها مؤتمر الكويت الذي تجمع ليخرج الأمة من هذه الأزمة وينقذها من براثن العدو الظالم ويجمع كلمتها ويوحد صفها وكاد العقد أن ينفرط فأمسكت بالزمام وتصرفت تصرف الرجال الصامدين والزعماء المخلصين ووضعت مصلحة الأمة العربية فوق كل مصلحة، فجاءت كلماتك صادقة مخلصة دخلت إلى القلوب والعقول وحتى الذين اختلفوا معك أحسوا بصدق مقولتك ونبل مشاعرك وسلامة مقصدك ورغبتك الصادقة في جمع كلمة الأمة وإنقاذ هؤلاء الأشقاء في فلسطين ووقف هذا البلاء الذي أصيبوا به ومنع هذه البلايا والرزايا التي حطمت الأخضر واليابس وقضت على الأطفال والنساء والشيوخ ولم ترحم التجمعات المدنية وأعلنت أنها قد تواصل هذا العناد وسيكون هناك المزيد من الضحايا لأنهم قوم وصفهم الله بقساوة قلوبهم لا يرحمون صغيراً ولا كبيراً، وليس لهم إلاً ولا ذمة خانوا الله ورسله وأنبياءه على مر تاريخهم وما كنا نتوقعه منهم هو أسوأ من ذلك وما هم عازمون عليه هو بلاء أكبر وشتات أعظم وكل هذا بسبب غفلتنا وفرقتنا وتشتت أمرنا، فوقفت يا أبا متعب وأعلنت بصدق وعزيمة أهمية جمع الكلمة ووحدة الصف وإذابة الخلاف، وبدأت بنفسك وتحركت تحرك الرجال المخلصين، وأعلنت على الملأ ذلك الموقف النبيل، وشعرنا بأنك قد وفيت يا أبا متعب وما قصرت في شيء، بل أعلنتها صريحة وصادقة: (الطريق من هنا.. الطريق من جمع الكلمة ووحدة الصف، ونبذ النزاع الذي أدى بنا إلى الفشل وشجع عدونا على ظلمنا والفتك بإخواننا)، والله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات نبهنا إلى خطورة الانقسام وبلاء التشتت والنزاع فقال عز وجل: {َولاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نكون لبعضنا البعض كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وكان أجدادنا من صناديد ذلك التاريخ العريق يحمون عرينهم وعرين جيرانهم ويتحركون لصرخة امرأة أو طفل فجاء الامتحان العظيم في غزة فوقف العالم يتفرج واستغل الأعداء هفوات إعلامية وضجيجاً لا طحن خلفه ليظهرونا أمام العالم بأننا نحن الذين أجرمنا في حقهم وقتلنا أطفالهم وشردنا نساءهم، وهكذا في وقاحة وصراحة ونحن ليس عندنا غير الضجيج والضجيج فيما بيننا حتى أنه لم يسمع صوتنا العالم الآخر ولا المواطن المخلص في أوروبا وأمريكا وفي المشرق والمغرب، حيث ركبوا أهم الموجات الإعلامية إذاعياً وتلفزيونياً واستفادوا من الأقمار ليشوهوا سمعتنا ونحن نصرخ ولا أحد يبلغه ما يفعله هؤلاء الصهاينة بنا فكان هذا المؤتمر وتكلمت يا أبا متعب وناديت إلى جمع الكلمة ثم تحركت تحرك الرجال المخلصين والزعماء الواعين فاجتمعت بالخصوم وجمعت كلمة المتخاصمين وأذبت الخلافات وأفهمتهم خطورة هذا الانقسام وعظيم أمر هذا الشتات فكانت كلماتك يا أبا متعب صادقة صريحة دعا لك الناس بالنصر والتأييد والتوفيق لإكمال المشوار في جمع الكلمة ووحدة الصف والاتجاه إلى الحوار الهادف البناء وصفق لك العالم المخلص، ثم ناديت أن لا مساومة على هذا الوطن العزيز بأي شكل من الأشكال، وناديت مرة أخرى بسرعة إعمار ما تهدم وإغاثة من تشرد وإطعام من جاع وعلاج من مرض وبناء ما تهدم بمبلغ لم يكن في حسبان أحد ممن اجتمعوا: (ألف مليون دولار)، وليس السر هنا فهذه رخيصة أمام الدماء البريئة التي سفكت، وعلى الرغم من إعلانك باسم إخوانك وأبنائك في المملكة العربية السعودية بأننا معهم وأنها رمز تعاون لإعادة البناء.. بناء غزة المظلومة.. غزة التي جنى عليها هؤلاء الطغاة، إلا أن هذا المبلغ الضخم يهون كثيراً أمام الكلمات الصادقة التي جمعت بها الكلمة ووحدت بها الصف.
مبروك لهذه الأمة برجل وقف بصدق وإخلاص ورجولة.. التفوا حوله وأحسوا بصدقه، فعلى بركة الله نجمع الكلمة ونسير في خطى ثابتة لبلوغ الهدف الأسمى وهو تحرير فلسطين وإعادة هؤلاء الذين شردوا إلى بلادهم ووطنهم بدون وجه حق.. {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.}