سفينة عملاقة تمخر عباب محيط عميق لا تعرف أمواجه الهدوء، سفينة تحمل مئات البشر، كلا بل آلاف البشر من مختلف الأجناس والألوان، سفينة فيها من وسائل السلامة المتطورة، ومظاهر القوة والمتانة ما يجعلها قادرة على عبور ذلك المحيط العميق، وعلى مصارعة أمواجه الهائجة، ودواماته القوية، وجبال جليده العملاقة.
|
سفينة فيها من وسائل الاتصال العجيبة ما يجعلها قادرة على التواصل مع أي مكان في العالم، فهي مجهزة بأفضل وسائل الاتصال التي تمنحها الأمان النفسي، وتحول بينها وبين الشعور بالوحشة وهي تخوض مياه المحيط منفردة لا أنيس لها من السفن والبواخر.
|
كل شيء في السفينة على ما يرام إلى درجة جعلت أحد مصنعيها والمشرفين عليها يقول بملء فم غروره وابتهاجه بضخامة الإنجاز: Not Even God Himself Could Sink This Ship كلمة كبيرة، أكبر من تلك السفينة الضخمة ترجمتها: (حتى الله نفسه.. لا يستطيع إغراق هذه السفينة).. أستغفر الله عدد ما خلق من هذه المقولة، نعم قالها في غرور حينما وقف مع غيره من موظفي شركة (وايت ستار) التي كان لها شرف صناعة السفينة العملاقة (تيتانك)، ذلك المارد البحري الكبير.
|
نحن أمام عمل بشري ضخم، فيه من الإتقان والجودة ووسائل الأمن والسلامة ما جعل ذلك الموظف يقول تلك الجملة الكبيرة الخطيرة، وهو في كامل نشوته، قالها بكل غرور وكبرياء فصفق لها فريق العمل وجميع موظفي الشركة ومن حضر معهم بكل غرور وكبرياء، ولماذا لا يقولها ولا يصفقون لها، وهم أمام حقيقة ماثلة للعيان اسمها المارد (تيتانك).
|
لكن ذلك القائل وجميع من صفقوا له نسوا بسبب كفرهم، وطمس بصائرهم أنهم قد حطموا سفينتهم العملاقة قبل أن تتحرك، لقد اجتهدوا زمناً طويلاً في بنائها والتأكد من عدم وجود أي خطأ في ذلك البناء الكبير، ولكنهم لم ينتبهوا إلى الخطأ الضخم الذي قضى على كل الوسائل التي بذلوها، وطمس جميع ما رسموا من حذر وحيطة.
|
أبحرت السفينة العملاقة في المحيط في أضخم إنجاز بحري عرفه العالم، وانطلق بها ربانها ومساعدوه في نشوة الانتصار والفوز بالإنجاز، وآلاف المودعين لها يقفون على الشاطئ ينظرون بزهو وكبرياء إلى هذا الكيان الضخم الذي انطلق في المحيط.. ويا لها من فرحة لم تتم، ومن نشوة لم تكتمل، فها هو المارد يتهاوى بعد أن اصطدم بجبل الجليد الذي اعترضه.. ماذا جرى؟ من أين أتى ذلك الجبل الجليدي؟ كيف تحطمت هذه السفينة العملاقة بهذه الصورة السريعة المفاجئة؟ لقد ذهب المحللون والقانونيون والمتخصصون كل مذهب في تفسير أسباب هذا الحادث العجيب الغريب، وأنتج أهل الفن أفلاماً تصور فظاعة الحادث الرهيب، وقد أجمعوا أن سر تحطم هذه السفينة العملاقة قد تحطم معها فلا يعرفه أحد، ولا يمكن أن يعرفه أحد.
|
نعم، إن عمى بصيرة الإنسان، الذي يختل في نفسه ميزان الإيمان هو الذي يحول بينه وبين معرفة السبب الحقيقي. أما نحن المسلمين فإن السبب واضح كل الوضوح في تلك الكلمة المغرورة المكابرة الكافرة التي كانت معولاً لتحطيم سفينة الغرور والكبرياء.
|
|
إن عالمنا المعاصر سفينة ضخمة تمخر عباب محيط الحياة، وإن طاقم قيادتها العالمية يظهرون من التعالي والغرور، وعدم البصيرة، والبعد عن الرؤية الشرعية الصحيحة ما يمكن أن يكون سبباً في تحطم سفينة العالم الضخمة.. إننا سمعنا من مسؤولي الدولة الأمريكية والبريطانية والفرنسية ودولة المسخ الصهيونية في فلسطين من الكلمات ما يشبه إلى حد كبير كلمة ذلك المغرور بسفينته الضخمة، فهل نتركهم يحطمون السفينة ونحن ننظر؟!
|
واجهوهم بالحق الذي جاء به الدين الحق، وأسهموا في إنقاذ سفينة العالم من التحطم والغرق، ولا تسيروا وراءهم راكضين وراء أحلام لن تتحقق على أيديهم أبداً.
|
إن جبل الجليد الضخم ينتظر السفينة فانتبهوا أيها العقلاء.
|
|
نريد شيئاً وننسى أن خالقنا |
لما يريد بهذا الكون فعَّالُ |
|