من القواعد الأصولية المرعية في شريعة الإسلام، أن للحاكم، متى ما اقتضت المصلحة، أن (يقيد المباح). فالأحكام التكليفية في الشريعة خمسة أنواع: الواجب، المندوب، (المباح)، المكروه، والمحرم. هذه الأحكام هي التي تدور عليها بشكل عام الشريعة الإسلامية. وقد أقر فقهاء الأصول أحقية الحاكم بتقييد (المباح) متى ما كان في ذلك مصلحة راجحة، أو دفع ضرر محتمل. مثلاً: أقرت المملكة مؤخراً ضرورة الفحص الطبي قبل الزواج للتأكد من خلو الزوجين من الأمراض المعدية. هذا الفحص انطلق تشريعه من أحقية الحاكم في تقييد المباح؛ فالأصل في الزواج الإباحة، غير أن الطب الحديث أثبت أن الأمراض المعدية يترتب عليها ضرر لأحد طرفي الزواج، وهذا ما جعل السلطات في المملكة، بناء على قاعدة (تقييد المباح) تشترط الفحص الطبي كقيد جديد لإتمام عقد الزواج تفعيلا لهذه القاعدة الفقهية المشروعة، رغم أن السلف لم يشترطوه في الماضي.
وبناء على هذه القاعدة المعتبرة شرعاً، وعلى نفس المنوال، فإن من حق ولي الأمر - في رأيي - أن يقيد سن الزواج بسن معينة، مثلما فعل السلطان عبدالعزيز في الدولة العثمانية (تولى الخلافة بين عامي 1861 و1876م)، عندما أقر عام 1871م قانونا حدد فيه سن الزواج الرجل بثمانية عشر عاماً والمرأة بسبعة عشر عاماً على الأقل، ونشر في (مجلة الأحكام العدلية) حسب ما ذكر الدكتور سهيل صابان، المتخصص في التاريخ العثماني.
كذلك وافق شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي على تحديد السن الأدنى للزواج بـ18 عاماً للجنسين، وإجراء فحوصات طبية قبل الزواج للتأكد من سلامة الزوجين من الأمراض، منطلقاً من القاعدة ذاتها.
أما قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد اتخذ موقفا مرنا إلى حد ما في هذه القضية، فأقر مبدأ عدم صحة زواج الصغار حسب المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية المعدلة القانون المؤقت رقم (82) لسنة 2001م الذي حدد سن طرفي الزواج بثمانية عشر عاماً، إلا أنه أجاز للقاضي بأن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا كان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره، وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد أسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية.
والمملكة حسب ما أشار إليه مدير فرع جمعية حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة الدكتور حسين الشريف: (وقعت على اتفاقية دولية ملزمة (لحقوق الطفل)، والتي حدد فيها عمر الطفل وهو ما بين 15 إلى 17 عاماً، مضيفاً أن من الواجب الالتزام بها وأن يكون سن الرشد للزواج من 18 سنة) كما جاء في جريدة الوطن الصادرة الأحد 21 محرم 1430هـ.
وغني عن القول إن الطفلة (القاصرة) لا تملك القدرة على التمييز لتختار، وتحدد مستقبلها، فالحياة اليوم، وكذلك الأسرة، وتربية الأطفال، تحتاج لمتطلبات في الزوجة تختلف عنها في حياة الأمس، فضلا عن أن زواج القصر لا يواكب (متطلبات الواقع)، وما استجد على هذا الواقع من متغيرات حياتية. ولو سألت اليوم أي اختصاصي نفسي، أو اجتماعي، وهم أصحاب (الخبرة) في هذه الشؤون، فسيتفقون على أن إقرار زواج القاصرات في عصرنا الحاضر ستكون له تبعات خطيرة نفسية واجتماعية من شأنها إفشال الزواج، إضافة إلى أنه أمر يتناقض - كما سبق وذكرت - مع الاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها المملكة دولياً.
لذلك فإن (تحديد) سن الفرد المؤهل للزواج، ذكرا كان أو أنثى، أمر ملح، وتجاوزه مهما كانت المبررات لا يُسيء للمملكة فحسب، وإنما يظهر تعاليم الإسلام أمام المجتمع الدولي وكأنها لا تتواكب مع حقوق الإنسان، رغم أن الإسلام هو أول من شرع هذه الحقوق على وجه الأرض.
إلى اللقاء.