الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
دعا أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية الموسرين من المسلمين إلى الإنفاق من أموالهم لصالح إخوانهم المحتاجين من المسلمين دون منّ أو أذى، محذرا من أن المن على المحتاجين الذين ألجأتهم الحاجة إلى الأخذ، إهانة لإنسانيتهم وامتهان لكرامتهم وحط من قدرهم وهذا كله محرم في ديننا الإسلامي الذي يعتبر المعطي والآخذ أخوين لا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح، والأخ لا يمن على أخيه ولا يؤذيه في نفسه وكرامته، ومن هنا صدر الوعيد الشديد على المنان حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قرأها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: (المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب).
وقال د. ناصر بن عبدالله التركي الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بالرياض في حديث ل(الجزيرة): إن المسلم في مبادرته للخير وبذله للفقراء والمساكين، لابد أن يلتزم بشرط ضروري يتعلق بقبول العمل عند الله - سبحانه وتعالى -، وهذا الشرط هو أن يكون نظره متجها إلى الله وحده لا إلى الناس؛ لأن من لم تكن هذه نيته يكون قد دخل في باب الرياء وهو كما سمي الشرك الخفي، فالمسلم عندما يبادر لفعل الخير، فإن نهاية قصده هو نيل القرب من خالقه، والوصول إلى أعظم الدرجات عنده.
وبين أن لب هذا الدين الإخلاص لله في القول والعمل، ولا يقبل قول أو عمل إلا إذا كان خالصا لله، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، مشيرا إلى أن متى خالط هذه العبادة شيء من الرياء أو حب الظهور أو طلب السمعة بطلت ومحق ثوابها، ونلمس هذا في تحذير الله لأولئك الذين ينفقون أموالهم على المحتاجين ويمنون عليهم إذا سدوا عوزهم أو قضوا حوائجهم فيجرحون بهذا المن كرامة هذا المحتاج حيث يقول - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ}.
وقال د. التركي: إن هذه الآية تبين أن من يمن بمساعدته للمحتاجين ويتظاهر بها أمام الناس فهذا ليس همه مرضاة الله وقد حكى الله شأنهم بقوله: {يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، وهذا لا يقبل الله ما قدمه حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) بل يعاقبه الله، فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الخزي الشنيع الذي يلقاه مثل هؤلاء يوم العرض الأكبر بقوله: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه.. رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)، موضحا أن هذا الحديث الشريف بين أحد المواطن التي يكثر فيها المباهاة والتفاخر وبين الخزي الذي يلقاه هذا المرائي المتعالي أمام الناس يوم العرض الأكبر بعد أن يجرد من كل ما كان يؤمل من وراء مساعدته للمحتاجين والمساكين إذا جرد من كل الثواب الذي أعده الله لهذه الأعمال العظيمة وسحب على وجهه إلى النار والعياذ بالله، ولا يخفى على المسلم أن لا شيء أحبط للعمل وأبطل لثواب الصدقة من المن والأذى، وهذا ما حذر الله منه حيث يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}.. مشددا على أن تبرم بعض أهل المال والجاه من خدمة المحتاجين مع القدرة عليها يجعل هذه النعمة التي يرفلون فيها مهددة بالزوال فقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال).
واقترح د. ناصر التركي عددا من الأمور التي رأى أنه سيكون لها - بإذن الله - أثر في الحد من هذه ظاهرة الإنفاق على المحتاجين بالمن منها: تعميق الإيمان بالله في قلوب أفراد المجتمع إذ إن قوة إيمان المسلم بالله وباليوم الآخر تجعل رغبته تشتد في طاعة الله والمبادرة إلى فعل الخيرات حبا لله وشكرا على نعمه الكثيرة التي تستوجب الشكر، أن يبين لأفراد المجتمع الذين يبذلون من أموالهم في سبيل الخير بأن يستشعروا يد الله عليهم وأن يحسوا بآلائه في كل نفس وكل نبضة وبهذا سوف يستصغر كل ما يقدمه.
وشدد الدكتور ناصر التركي - في هذا السياق - على أهمية توعية المجتمع بأن فعل الخيرات لوجه الله من أحب الأعمال إليه وأن الثواب عليها عظيم وجزيل، وأن يمرن الإنسان منذ الصغر على فعل الخير لكي تكون له سجية وطبع ويألف فعل الخير وتكون سمة يتميز بها وهذه الاستمرارية تجعله لا يمن ولا يتعالى عندما يقدم معروفا، وأن يتحلى بالرحمة والمروءة والشهامة فهي المحرك لإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاجين بلا منة ولا تعالي.
وخلص إلى القول: إن الرحمة تجعل المسلم يتألم لما يصيب المسلمين من بؤس وفقر ونكبات والمروءة تحمل المسلم على تخفيف الويلات التي تصيب بعض المسلمين وتخفف آلامهم وتدفع أحزانهم بما يقدر عليه سواء كان ماديا أو معنويا، والشهامة تأبى عليه أن يعيش في نعمة ورغد من العيش والآخرون يعيشون في بؤس وجوع وأمراض.