يسعى كل فرد منا لتحسين أخلاقه، والأسرة تريد حياة سعيدة بالأخلاق، والمجتمع يدعو لتهذيب الأخلاق، والأمم والدول تبحث عن الأخلاق وتنادي بحقوق الإنسان وتسعى لها فتعقد اللقاءات والمؤتمرات، الكل يحب الأمن وينادي به، نعم تحب أن تكون آمنا في عرضك، تحب أن تكون آمنا على أهلك، تحب أن تكون آمنا في منزلك، في سوقك، وعلى متجرك، تحب أن تكون آمنا في سفرك وإقامتك، تحب أن يكون مالك في أمان تأخذه من حله فتنفقه في محله، أين تجد هذا الأمان الشامل؟ وأين يكون؟ ومن نادى به؟ تجده في عاصمة الأخلاق (مكة) التي انبثقت منها كل الأخلاق وأعلنت الحقوق، في مكة نادى إبراهيم عليه السلام لهذا المؤتمر قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}.
وفي مكة رسم ونشر وفعل وطبق محمد صلى الله عليه وسلم حقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، حيث قال صلى الله عليه وسلم على أرض المشاعر: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).
لقد كان الإرهاب قديما بقدم العالم، فالجريمة بأنواعها موجودة في العصور الماضية، ولكن الإرهاب توسع في عصرنا هذا فالأمة تعيش في زماننا فوضى في الدماء، في الأعراض، في الأموال، قتل، تخريب، احتلال، استبداد، ظلم، عدوان، أين الأمة عن هذا النداء: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام..) وأما الأموال في العالم فهي تموج بالمعاملات الربوية، والمساهمات المشبوهة، والمكاسب المحرمة، سرقة، نجش، غرر، غش، استقطاع، تغيير منارات، كذب.. الخ.
وأما العلاقات الزوجية فما زالت فوضى عند البعض قلق، عنفوان، غضب، سوء خلق، تعد، مشاكل في الحقوق، في التعامل، في المعاملة، في الذهاب والإياب.. الخ.
وبالجملة عدم معرفة كل منهما ما له وما عليه، فأين هم عن هذا النداء (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
وأين الإعلام بأنواعه الذي ملأ كل مسموع ومقروء في شأن المرأة وأنها مظلومة أين هم عن هذا النداء على أرض المشاعر (اتقوا الله في النساء..).
من مكة في آخر هذا النداء دلنا محمد صلى الله عليه وسلم للمعجزة الخالدة الباقية أننا لن نضل إذا تمسكنا به إذ هو الفيصل في شأننا كله حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله) فهل ستعود الأمة لكتاب الله وترك ما حرم الله من الإرهاب بصوره، وأشكاله، وألوانه حتى تعيش في سلام، ونقاء، وبقاء، وهل ستعود الأمة إلى إقليمها الأول الذي أعلن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حرمة الدماء والأعراض والأموال، واستنطق الناس فقالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ونحن نقول كما قالوا.
* خطيب جامع الشيخ محمد بن عثيمين بالخبر