يحكى عن البراء وحياته المقدامة بأن شعاره كان (الله- الجنة)، فمن يراه وهو يقاتل في سبيل الله يرى عجباً، فلم يكن حين يجاهد ممن يبحثون عن النصر فقط، فأمنيته الوحيدة الشهادة، لم يتخلف عن أي مشهد ولا غزوة. وذات يوم ذهب إخوانه يعودونه فقرأ وجوههم ثم قال: (لعلكم ترهبون أن أموت على فراشي، لا والله، لن يحرمني ربي الشهادة)، فصدق الله ظنه فيه، وقف البراء (يوم اليمامة) وجيوش الإسلام تحت إمرة خالد بن الوليد تتهيأ، مستبطئاً تلك اللحظات التي تمر كأنها السنوات، قبل أن يُصدر القائد أوامره، وحينما نادى خالد: (الله أكبر)، فانطلقت الصفوف، وراح يقتل أتباع الكذاب مسيلمة بسيفه، فيتساقطون لبأسه وكان جيش مسيلمة من أخطر جيوش الردة جميعاً، ومقاومتهم عنيفة حتى كادوا يأخذون زمام المبادرة، وكان البراء جميل الصوت وعاليه، وناداه القائد خالد: تكلم يا براء.
فصاح البراء بكلمات تناهت في الجزالة والدلالة والقوة، تلك هي: (يا أهل المدينة لا مدينة لكم اليوم... إنما هو الله والجنة).
نسوا المدينة عاصمة الإسلام، والبلد الذي خلفوا فيها ديارهم ونساءهم وأولادهم، فلا ينبغي أن يفكروا فيها لأنهم إذا هزموا اليوم فلن تكون هناك مدينة، ومضى وقتٌ وعادت بعده المعركة إلى نهجها الأول، المسلمون يتقدمون يسبقهم نصر مؤزر، والمشركون يتساقطون في هزيمة، والبراء مع إخوانه يسيرون براية محمد، حتى تقهقر المشركون هاربين، واحتموا بحديقة كبيرة دخلوها وأغلقوا أبوابها، وهنا علا صوت البراء: (يا معشر المسلمين: احملوني وألقوني عليهم في الحديقة)، ولم ينتظر البراء أن يحمله قومه ويقذفوا به، اعتلى هو الجدار وألقى بنفسه داخل الحديقة وفتح الباب للمسلمين!! واقتحمته جيوش المسلمين، ولكن حلم البراء لم يتحقق، فلم ينل الشهادة، إلا أن جسده تلقى بضعاً وثمانين ضربة، ظل شهراً كاملاً يُشرف خالد بن الوليد بنفسه على تمريضه. ويبرأ البراء، وفى إحدى حروب العراق لجأ الفرس في قتالهم المسلمين إلى كل وحشية دنيئة يستطيعونها، فاستعملوا كلاليب مثبتة في أطراف سلاسل محماة بالنار، يلقونها من حصونهم فتخطف من تناله من المسلمين الذين لا يستطيعون منها فكاكاً، وكان البراء وأخوه أنس قد وُكل إليهما مع جماعة من المسلمين أمر واحد من تلك الحصون، ولكن أحد هذه الكلاليب سقط فجأة فتعلق بأنس ولم يستطع أن يمس السلسلة ليخلص نفسه إذ كانت تتوهج لهباً وناراً، وأبصره البراء فأسرع نحو أخيه الذي كانت السلسلة المحماة تصعد به على سطح جدار الحصن، وقبض على السلسلة بيده وراح يعالجها في بأس شديد حتى قطعها! ونجا أنس وألقى البراء ومن معه نظرة على كفيه فلم يجدوهما مكانهما! فقد بقي هيكلهما فقط مُسْمَرّاً محترقاً!! وقضى البطل فترة علاج بطيء حتى برئ، ولما حانت موقعة: (تستر) ليلاقي المسلمون فيها جيوش فارس، وتبدأ الحرب بالمبارزة فيَصرعُ البراء وحده مائة مبارز منهم، ثم تلتحم الجيوش ويتساقط القتلى من الفريقين، ووسط شهداء المعركة، كان هناك البراء تعلوا وجهه ابتسامة، وتقبض يمناه على حثيثة تراب مضمخة بدمه الطهور وسيفه مدد إلى جواره، قوياً غير مثلوم، سوياً غير ملكوم، لقد بلغ ما أراده وأنهى حياته بتحقيق أمنيته.