بدأت مصر والاتحاد الأوروبي الإعداد لمؤتمر المانحين الذين سيتكفلون بتقديم أموال لإعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي. هذا المؤتمر الذي يتوقع له الكثيرون أن يعقد في نهاية الشهر الميلادي القادم والمنتظر منه أن يجمع مبالغ كبيرة تضاف إلى ما سيقدمه صندوق إعمار غزة الذي أقرته قمة الكويت الاقتصادية والذي وقبل أن تبدأ خطوات إنشائه حصل على وعود وصلت إلى قرابة المليارين من الدولارات الأمريكية.
إذن المنتظر أن تجمع الدول العربية والأوروبية مبالغ كبيرة من الأموال خصوصاً وأن هاتين الكتلتين الدوليتين من أكثر الداعمين والمساعدين للفلسطينيين، إلا أنه لا تزال هناك عقبتان تشغلان بال المانحين، وهما: ما جدوى إعادة تعمير قطاع غزة والمناطق الفلسطينية مع إصرار الكيان الإسرائيلي على مهاجمة وتدمير البنى الأساسية للشعب الفلسطيني وقبله الشعب اللبناني وكل الشعوب العربية المجاورة كلما عنَّ له ذلك بحجة مهاجمة مواقع الإرهابيين، فبالإضافة إلى تدمير وتهديم مدن قطاع غزة مع التركيز على إتلاف البنى الأساسية هذا العام، أقدمت إسرائيل في العام الماضي على تدمير مدن وقرى الجنوب اللبناني، أيضاً كان الاستهداف متعمداً للبنى الأساسية خصوصاً الكهرباء والماء والمواد الغذائية بتدمير أفران الخبز ومحطات توليد الكهرباء والصرف الصحي؛ إذ إن إسرائيل في كل حروبها العدوانية ضد العرب تسعى دائماً إلى توسيع الفجوة الحضارية بين إسرائيل والدول العربية، ولذلك فإنها في عدوانها تقتل البشر وتدمر الحياة المدنية، ولهذا فإن المانحين يشككون في جدوى إعادة تعمير ما تهدمه إسرائيل متسائلين عن المدة التي سيصمد ما يتم تعميره لتعود إسرائيل لتدمره من جديد على غرار ما حصل في جنوب لبنان الذي تعرضت مدنه وقراه للتدمير الإسرائيلي أكثر من مرة..!! ولهذا فإن المانحين وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي يسعون إلى الحصول على تعهدات إسرائيلية بعدم معاودة مهاجمة البنى الأساسية والمباني من مدارس ومستشفيات لأن مثل هذه الأعمال تعد أعمالاً عدوانية ضد الإنسانية، ولذلك فقد استدعى وزراء خارجية الدول الأوروبية وزيرة الخارجية الإسرائيلية للحصول على مثل هذه التعهدات إلا أن ليفني كعادة الإسرائيليين (راغت كما يروغ الثعلب) ولم يحصل الأوروبيون على بغيتهم..!!
أما الإشكال الآخر الذي واجه المانحين فهو تنازع الفلسطينيين على من يشرف على عملية الإعمار ومن يتسلم هذه المبالغ الضخمة؛ فحكومة الأمر الواقع في غزة والمشكلة من حركة حماس تعتبر نفسها هي الجهة المخولة بإدارة عملية إعادة الإعمار، وأنهم الأكثر (أمانة) على هذه الأموال..!!
أما السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، فتعتبر حكومة سلام فياض هي الحكومة الشرعية التي يجب أن تقوم وحدها بهذه المهمة باعتبارها الحكومة المعترف بها من قبل الأسرة الدولية والتي يمكنها التعامل مع الدول الأوروبية وأغلبية الدول العربية وأنها الأجدر لتنفيذ برنامج إعادة الإعمار على الجميع دون تمييز أو حصره على المتحزبين فقط.
وهذه الإشكالية يحاول الأوروبيون بمساعدة الدول العربية وبخاصة مصر حلها من خلال تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية تقود إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تتكفل بإنجاز مشروع إعادة إعمار غزة.. وتأمل مصر - التي تقود جهوداً عربية لإعادة اللحمة للوحدة الفلسطينية - أن يتم إعمار قلوب قادة فلسطين والاهتمام بالمصلحة الوطنية دون الانجرار إلى إغراءات الغرباء بتجيير القضية الفلسطينية لخدمة مصالحهم.
jaser@al-jazirah.com.sa