ها أنا ذا أعود ل(الصمّان) هذا الأب العجوز الذي عاش على مرتفعاته ووهاده ورياضه العرب الأولون وهم يسوقون أظعانهم نحو مساقط المطر والمراعي الخضراء في فياضه الممرعة، وحيث تصدح رائحة الخزامى ويصدع عبير النفل وتغرد أم سالم بأبها الألحان، وتحنّ النوق إلى صغارها التي تبرك فوق النوار وتقطف (زماليق) الزهر وهي تمد أعناقها الرشيقة لتعلف أوراق الحمض النديانة في فيافي الصمّان.
وها أنا ذاك أعود إلى أمي الصحراء البكر أعدو فوق العشب وأمارس شقلبات الصغار، الأشقياء حينما يعدون خلف صغار الحملان ويطاردون القبابر المتوجة التي تلتقط الفراشات الملونة التي تحوم حول أشجار الرمث الممطورة تحت شعاع شمس الضحى الوهّاجة تحت قبة السماء الموغلة في الزرقة والتي ترصعها سحائب رهوة بيضاء، تتجه إلى المرقاب حيث رجم يقعي في شعفات الجبال منذ الأزل حينما كان علامة لعبور الجيوش والغزاة وحروب القبائل من أجل هذا الإقليم المخصب العجوز الذي أخذت تتساقط شعرات لحيته الجليلة الخضراء بفعل التصحر والرعي الجائر للأغنام، لذلك فإنني أدعو هنا إلى حماية هذا الأب والوطن القديم من الانقراض لأنني أرى أن أشجاره النادرة تأخذ بالانقراض ناهيك عما كان به من وحش وطير وأزاهير تتناثر في طيات أدبنا العربي القديم وشعرنا النبطي الجميل الذي يحوي تاريخ الأجداد، أما حمايته فإنني أهيب بوزارة الزراعة وحماية البيئة أن تمنع الرعي الجائر في نصف ذلك الإقليم وتسمح بالرعي فيه في العام القادم وتحمي النصف السابق مما يتيح للأرض أن تحتفظ بالبذور قبل أن تذروها الرياح.
كذلك فإننا ندعو إلى البحث عن مناهل الماء في مجاهل الصمان لأن الماء الذي أقيمت عليه الهجر لا يكفيها بالكاد، كذلك فإننا نهيب بأصحاب المشاريع الصغيرة أن يقيموا على طريقه الطويل استراحات تقدم الخدمات لرواد الصمان، تقدم الماء والوقود وإصلاح السيارات وغيرها من الخدمات التي يحتاجها عابر الصمان كما أنه لا بد من وضع علامات إرشادية تشير إلى مواقع الهجر والمنتزهات الطبيعية التي يزدهي بها الصمان.
يبقى القول أخيراً علينا أن ننقذ هذا الإقليم العظيم لأنه موئل الأجداد.