منذ سنوات دخلت لشراء غرض، فصادفني عند الباب رجل يحمل أكياساً مليئة بالمواد التموينية، وحالما أخذت أغراضي، قلت مداعباً البقال: ما شاء الله تبارك الله.. يبدو أن رجل الزبائن بدأت تأخذ طريقها إلى بقالتك، ضحك الرجل بمرارة وهو يقول: امحق زبائن! الذي رأيته هالكني، كل يوم والثاني يأتي ويأخذ حاجته دون أن يدفع شيئاً!
منظر الرجل صاحب الأكياس كان شرساً لكنه يخفي غير قليل من البؤس الداخلي، لكن كل ذلك لم يكن مبرراً، ليسرق البائس، بائساً مثله، والسرقة للأسف علنية، ولو اعترض البقال عليه فهناك بالأكيد عدة طرق تجعله يندم على اليوم الذي قدم شكوى بخصوصه.. لذلك يبلع البقال همه، وهو أحسن حالاً من أناس كثيرين يقولون للمرتشي ابتزني كما تشاء بشرط أن تخلص لي أموري!.
ولو تركنا البقال ومبتزه الأكثر بؤساً منه، فإننا سنجد عينات كثيرة تشتري المناقصات وتبيع وتشتري في الخادمات والسائقين علناً، بل إن بعضهم إمعاناً في التحدي ينشرون إعلانات مدفوعة في الصحف لطلب الخادمات والسائقين وتقديمهم للراغبين، كيف يتم ذلك وكلنا نعرف النظام أو ندعي الالتزام به!
والرشوة أشكال وألوان، هناك رشا البائسين مثل مرتاد البقالة، رشوتهم في شرق آسيا لأخذ أصواتهم الانتخابية تبدأ من السيجارة الواحدة وحتى العلبة الواحدة، وإذا كان صوته مؤثراً فقد يحظى ببضعة دولارات وهناك الذين يدخلون الندوات والمؤتمرات المرتبة والتي قد تنقل على الهواء مباشرة، هؤلاء قد تكون أجورهم بين العشرة والعشرين دولاراً، وهناك المعددات في المآتم، يلبسن الأسود، ويرقعن بالصوت العالي، وحالما ينفض العزاء تقبض المصوتة المعلوم وتدعي للميت بأن يلحق به من يسليه في قبره، فكله في النهاية بأجره!
لكن أخطر المرتشين أو بائعي الذمم، أولئك الذين يقبضون الذهب الرنان، لتسهيل عبور الممنوعات وعلى رأسها المخدرات وقطع السلاح ويأتي في الدرجة الثانية البضائع المضروبة الغير مطابقة لا للمواصفات ولا للمقاييسن وفي كل بلد في العالم هناك شريحة لا يستهان بها، قوتها وثروتها من الطرق المعوجة، حتى إن الكاتب الأمريكي الساخر (مارك توين) استشاط غضباً وهو يتابع تحلل مجتمعه وعدم قدرته على تسيير أموره الحياتية دون أن يلجأ للواسطة أو لدفع الرشوة، وقد تفتق ذهنه عن حيلة أتت أكلها سريعاً فقد حدد العديد من الأثرياء والأشقياء الذين يشك في أمرهم من أبناء مجتمعه، فبعث لكل واحد منهم عبارة واحدة (اهرب فقد افتضح الأمر!!)، وضع العبارة في مظروف، وأخذ يوزعها بنفسه على صناديق البريد، ولم يكد يمضي أسبوع واحد على تلك الرسالة المختصرة إلا وقد غادر البلدة أكثر من 90% ممن وجهت لهم الرسالة، كان منهم الكثير من الذين لم يكن متأكداً من أنهم يقومون بأعمال مشبوهة، لكن الرسالة كشفت له وعلى أرض الواقع أن الضمائر المعطوبة بإمكانها أن تمشي على الأرض بقوة وخيلاء، هذه القوة والخيلاء تهتز بغيظ لحظة الشعور بالخطر.. وما أكثر الناس الذين يركبون أفخر السيارات ويأكلون أفخر الأطعمة ويسكنون أفخم المنازل من المال الحرام، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فمن يتربح من وظيفته سارق، ومن يغش في المواد التموينية والإنشائية والصحية سارق، بل إن بعض السارقين مثل المقاولين أو الذين يدخلون في مناقصات بواسطة الرشوة أو التسهيلات، كثيراً ما يتسببون في دمار العمران والبشر، لكن هل هؤلاء في النهاية سعداء؟ إنهم بإجابة بسيطة مثل السارق الصغير الذي يدخل إلى البقالة بسيف وظيفته ليأخذ منها طعاماً وشراباً يقدمه لزوجته وأبنائه!!
فاكس 012054137