من أقوى المواقف التي وجهت رسالة قوية إلى العدو الصهيوني خلال السنوات الأخيرة الماضية هو موقف خادم الحرمين الشريفين حين أنذر الصهاينة بأن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.
هذا الموقف كان له صدى قوي ليس في العالم العربي فقط بل تعدى ذلك إلى بقية أرجاء العالم.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حذا حذو خادم الحرمين الشريفين في الوقفات المشرفة عندما تجادل مع الإسرائيلي شمعون بيريز حول المذابح التي قامت بها إسرائيل في غزة، وهذا الكلام لم يعجب بيريز الذي رفع صوته وأخذ يدافع عن المذابح الهمجية وغير الإنسانية التي قام بها جيشه، وأخذ في ذلك وقتاً طويلاً ورد عليه أردوغان الطيب أنه رأى ما فعله الجيش الإسرائيلي بالأطفال وبالمدنيين العزل في غزة. أردوغان كان يعكس موقف الشعب التركي المسلم الذي خرج في مظاهرات عارمة يعبر عن سخطه وغضبه لما قام به الصهاينة من عمليات إجرامية كبيرة ولم تقبل الجماهير التركية فريقاً إسرائيلياً لكرة السلة أن يلعب مباراة كان مقرراً أن يلعبها وكادت تفتك بذلك الفريق الذي خرج أفراده مسرعين للخارج، وقد كان أردوغان منذ بداية أزمة غزة يحاول أن يجد حلاً مناسباً هو وإخوانه من القادة العرب والمسلمين. وبرغم العلاقات الإسرائيلية التركية القائمة منذ سنين التي فرضتها ظروف سياسية وأيديولوجية معينة، إلا أنه لم يقف مكتوف الأيدي أمام تطاول بيريز، ومثّل شعبه وأمته خير تمثيل.
أردوغان الطيب عندما وجّه كلماته الرادعة لم ينتظر أن تُفتح المعابر لها ولم ينتظر موافقة هذه الجهة أو تلك ولم يصُفّ كلماته ويجعلها في قوافل في انتظار توجيهها إلى خصمه المتربص بالعرب والمسلمين، وكان يعلم أن مرور هذه الكلمات لا يحتاج إلى أنفاق بسيطة يمر خلالها الغذاء والدواء حتى تصل إلى أسماع غريمه وإلى أسماع وعيون العالم. وبرغم نظام تركيا السياسي العلماني إلا أن نزعة أردوغان الإسلامية والإنسانية أولاً انتفضت وانتصرت لقضية إسلامية عادلة لبلد شُرّد شعبه واغتُصبت أراضيه وانتُهكت حقوقه الإنسانية والمعنوية والقانونية، وأي منصف أو عادل مسلماً كان أو غير مسلم سينظر إلى هذه الأمور بنظرة موضوعية وبعين العدالة ويضعها في الإطار الإنساني الطبيعي الذي لا يقبل مثل هذه الممارسات الوحشية.
ولم يكن أردوغان ينتظر مساعدة أو مكافأة مالية من جهة معينة حتى يقوم بما قام به؛ فبعد أن بدأ بتوجيه كلماته التي وقعت على رأس بيريز كالصاعقة لأنه لم يعتد إلا على الكلمات المستعطفة المستجدية المدللة له ولبطانته قاطعه مدير الجلسة الذي كان متحيزاً حتى في منتدى اقتصادي دون أن ينهي حديثه رغم أنه أعطى غريمه وقتاً طويلاً وكافياً للتطاول ورفع الصوت، إلا أن أردوغان الطيب وبرغم هذا الموقف فقد تحلى بالأخلاق الإسلامية وقال لغريمه إنه لن يكون مثله في عملية التطاول؛ لأنه أكبر منه سناً. وبعد ذلك وجه أردوغان درساً سياسياً وأخلاقياً لغريمه ولمدير الجلسة وسجل موقفاً شهماً عندما غادر الجلسة احتجاجاً على تبرير العدوان الهمجي على غزة وعلى طريقة إدارة الجلسة غير العادلة. وقد قوبل موقف أردوغان الشهم والشجاع النادر الحدوث ليس بموافقة وإعجاب الشعب التركي فقط بل والشعوب الإسلامية كلها، واستقبل أردوغان عندما عاد لبلاده استقبال الأبطال وهو يستحق ذلك، وعلى الله الاتكال.