في الوقت الذي تخرج علينا فيه بعض الكتابات العربية بمقالات وطروحات تثير الغثيان، وتحمل المسؤولية للضحية، وتبرئ الجلاد، وتتعامى عن الحقائق إلى حد أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تأمر بإعادة نشر تلك المقالات التي كتبت بأقلام عربية..
..على صفحتها على الإنترنت لأنها تصب في مصلحتها، وتؤازر وجهة نظرها،وتبرئها من سفك دماء الأطفال والشيوخ والنساء، وتبعدها عن تهمة ارتكاب مجازر تشبه تلك التي تتهم بارتكابها النازية ضد اليهود في عهد هتلر، مع كل ذلك نجد أن الفطرة البشرية السليمة تأبى الظلم، وتعارض القهر، وتحارب الغبن، وتقف مع المظلوم ضد الظالم ولو كان من أقرب الأقربين، عملا بالأثر المعروف (قل الحق ولو كان مرا، قل الحق ولو كان على نفسك)، وفي بحر التضليل والخداع الإعلامي في المجتمعات الغربية حول القضية الفلسطينية، وحول تحويل غزة إلى سجن كبير يضم مليونا ونصف المليون من البشر، ومنع أهم مقومات الحياة من الدخول إلى ذلك السجن حتى تحول الوضع إلى حرب دموية، ظهر كاتب يهودي موضوعي يعرض القضية بطريقة يفهمها المتلقي، هو الدكتور راندال كن الأستاذ المشارك ومدير برنامج الشؤون الصحية العالمية في مدرسة كاربل للدراسات الدولية في دنفر في ولاية كلورادو الأمريكية، وكتب مقالته بعد عودته من رحلة الأرض المحتلة، والضفة الغربية، يقول كن في ذلك المقال: (بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، ظهر وزير الدفاع الإسرائيلي (إيهود باراك) ليقدم هذا التشبيه: انظر ما سيحدث لو أن الصواريخ ظلت لمدة سبع سنوات تسقط على مدينة سانت ياغو في كاليفورنيا من مدينة (تيوانا) في المكسيك)، ويواصل (كن) قوله: لم تمض إلا ساعات حتى رأينا المثقفين والسياسيين الأمريكيين يقلدون مقارنة باراك تقريبا بطريقة حرفية. والحقيقة أنه في هذه الصحيفة (يقصد الصحيفة التي نشر فيها مقاله) في عدد 9 يناير قام زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ (ستني هوير)، وزعم الأقلية (وهب إرك كانتور اختتمو) أنهوا كلماتهم قائلين: (أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي لو أن الإرهاب ظل يرسل الصواريخ على حدودنا في تكساس أو مونتانا)، وبعد أن أثبت تقليد المثقفين والمسؤولين السياسيين لمقولة باراك، حاول (كن) الرد بموضوعية وعقلانية عليها بقوله (دعونا نرى إن كان مثقفونا وسياسيونا سوف يقلدون هذه المقارنة: فكر ماذا يمكن أن يحدث لو أن (سانت ياغو) نفت معظم سكانها من الأصول الإسبانية والإفريقية والآسيوية ومن السكان الأصليين، والذين يشكلون 48% من السكان، وقامت بالقوة بإعادة توطينهم في تيوانا؟ ليس فقط المهاجرين، ولكن أولئك الذين عاشوا في هذه البلاد لأجيال كثيرة، ليس فقط العاطلين عن العمل، أو المجرمين، أو كارهي أمريكا، ولكن معلمي المدارس، وأصحاب المتاجر والأعمال الصغيرة، والجنود، وحتى لاعبي كرة البيسبول، (كرة القاعدة). ماذا لو قمنا بتأسيس حكومة، ومؤسسات تقوم على العقيدة والدين لمساعدة البيض للقدوم واحتلال منازل من هجروا؟ وماذا لو قمنا بإنشاء أعداد كبيرة من المنازل في المناطق الريفية بمساعدة الأموال الخيرية من سكان الولايات المتحدة الأمريكية ومن الخارج، وقمنا بزراعة غابات في أماكن منازل وقرى الذين تم تهجيرهم؟ وأوجدنا متنزهات طبيعية للبيض ليتمتعوا بها؟ يبدو الأمر فظيعا! هه..!! وأنا في هذا الكلام ربما ينظر إلي على أنني عدو للسامية من أجل أنني أظهرت الحقيقة. على أي أنا يهودي، والسيناريو الذي قدمته آنفا يمثل ما يقوله كثير من العلماء الإسرائيليين الثقات من أن إسرائيل نفت الفلسطينيين من جنوب إسرائيل وأجبرتهم على الرحيل إلى غزة، وهذه المقارنة ما زالت في بدايتها. ماذا لو أن الأمم المتحدة أبقت المرحلين من (سان دياغو) إلى (تيوانا) مبعثرين في مجموعات من المخيمات المزدحمة لمدة تسعة عشر عاما؟ وعندها قامت أمريكا بغزو المكسيك، واحتلت (تيوانا) وبدأت تبني مجمعات سكنية ضخمة لا يسكنها إلا البيض فقط؟ وماذا لو أن الولايات المتحدة بنت شبكة من الطرق السريعة تربط المواطنين الأمريكان في تيوانا ببقية أمريكا؟ وتضع نقاط تفتيش ليس فقط بين المكسيك وأمريكا، ولكن أيضا حول كل حي من أحياء (تيوانا)؟ ماذا لو ألزمنا كل شخص من تيوانا سواء أكان لاجئا أم مواطنا أصليا بإبراز بطاقة الهوية للجنود الأمريكيين بأمر عسكري؟ ماذا لو فقد الآلاف من سكان تيوانا منازلهم، وأعمالهم، وتجارتهم، وأطفالهم، وإحساسهم بأنفسهم وبكرامتهم بسبب ذلك الاحتلال، هل ستكون مفاجأة لك عندما تسمع أن سكان تيوانا قاموا بمسيرات احتجاج تكون أحيانا ذات طابع عنيف وكريه؟ نعم. والآن إلى الجزء الذي لا يمكن تصديقه. فكر ماذا يمكن أن يحدث لو أنه بعد نفي تلك الأقليات إلى تيوانا وتعريضهم لمدة أربعين سنة لاحتلال عسكري فظ، ثم خرجنا من تيوانا وفككنا جميع المنازل والمستعمرات التي كانت للبيض؟ وبدلا من أن نعطيهم حريتهم، قمنا ببناء حاجز إلكتروني ارتفاعه عشرين قدما حول محيط تيوانا؟ ليس فقط من الجهة المقابلة (لسانت ياغو) ولكن حول جميع الجهات المحيطة بالمدينة؟ ماذا لو أننا أقمنا أبراج مراقبة ارتفاع كل منها خمسين قدما ووضعنا في كل منها رشاشا وقلنا لهم من يقترب إلى مائة ياردة سوف يتم إطلاق النار عليه وقتله في الموقع؟ ثم قمنا في أربعة من كل خمسة أيام بإقفال جميع تلك المعابر، ولا نسمح حتى بإدخال الطعام، والملابس، والعلاج. وقمنا بتسيير دوريات في أجوائهم بطائراتنا الحربية الحديثة الصنع والتجهيزات؟ ولا نسمح لهم حتى بذرة من الغبار، وسيرنا دوريات في مياههم تقودها مدمرات، وغواصات، ولا نسمح لهم حتى بصيد السمك؟!! هل ستكون مفاجأة لك إذا علمت أن تلك الجماعات المقاومة في تيوانا، حتى بعد (تحريرهم) من الاحتلال يعانون من الجوع إلى الموت تقريبا، وقاموا بإطلاق صواريخ على الولايات المتحدة الأمريكية؟ ربما لن تكون مفاجأة لك. ولكن المفاجأة ستكون عندما تعلم أن الغالبية العظمى في تيوانا لم تحمل صاروخا، أو بندقية، أو أي سلاح من أي نوع. والغالبية، بدلا من القيام بذلك، تم حرمانهم من أمل في التفاوض لإيجاد حل سلمي يقدم لهم أمنا وحرية وحقوقا مشابهة لشعبين متجاورين في دولتين مستقلتين. هذه هي المقارنة الثانية للهجمة العسكرية على غزة اليوم. وربما في يوم ما قريبا، الحس العام ربما يظهر وتنعدم الحاجة إلى مقارنة مضللة مع تيوانا، أو وجود أي شخص مجنون في الجهة الأخرى يود أن يقتل ابنتك ويخفي الحقيقة. عندها وفي الدولة التي يصرخ سكانها (لابد أن ننتصر) ولابد أن تحرر برلين، ويلغى التمييز العنصري، وتتحرر التبت، وتنقذ دارفور، عندها سوف نجتمع كلنا ونصيح (الحرية لغزة، الحرية لفلسطين) ومن أجل أننا أمريكيون سوف يأخذ العالم ملاحظات ونوتات وسوف يكون حرا، وربما عندها يحل السلام لجميع ساكني الأرض المقدسة).انتهى كلام (كن). هذه الشهادة من يهودي منصف حول أوضاع الفلسطينيين ومعاناتهم مع الاحتلال في كل مكان من الأرض المحتلة، وليس فقط في غزة، هذه الشهادة وأمثالها يجب أن تصل إلى صناع القرار والأحرار في أمريكا والعالم، وما نطالب به ليس تدمير إسرائيل ورميها في البحر، وإنما نطالب بالعدل والإنصاف، فشعب فلسطين من البشر الذي لهم حقوق مثل غيرهم من الشعوب على هذه الأرض، ويجب أن يتكاتف الأحرار والمنصفون في الشرق والغرب للوقوف معهم حتى تعود لهم حقوقهم، وينالوا حريتهم، ويرفع الضيم والحيف عنهم مثلما وقف معهم الدكتور (راندال كن) اليهودي الأمريكي المنصف كما رأينا في هذا المقال.
والله من وراء كل شيء.
Zharani111@yahoo.com