صدرت مؤخراً جملة قرارات تنطوي على قدر كبير من الأهمية، تهدف لدعم الاقتصاد الوطني في ظل أزمة الائتمان العالمة التي حالت دون تمويل بعض المشاريع المهمة، وكذلك بهدف السير قدماً بخطط تنموية دون ان تتعطل او تتأخر نظراً لأهمية تنفيذها بالمرحلة الحالية، فقد أعلن مجلس الوزراء عن موافقة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على تحويل البنك الزراعي السعودي إلى صندوق للتنمية الزراعية برأس مال قدره 20 مليار ريال يهدف لتمويل المشاريع الزراعية بكافة أنواعها بهدف تحقيق الأمن الغذائي من خلال تأمين المال اللازم للقطاع الخاص للمضي قدماً في تنفيذ تلك المشاريع او استكمال الجاري تنفيذه حالياً، وفق آليات تدعم التقدم التقني بإنشاء تلك المشاريع. ومن المعروف ان القطاع الزراعي يحقق قرابة 40 مليار سنوياً كناتج عام يمثل قرابة 0.3 من الناتج الوطني، بالرغم من الاستهلاك الكبير والطلب الضخم بالسوق المحلي الا ان غالبية الاحتياجات من السلع الغذائية تأتي من الخارج ويأتي هذا التحرك وفق منظومة متكاملة من الإجراءات تتمثل بفتح آفاق الاستثمار الزراعي بالخارج من خلال استثمارات تقوم بها الشركات بالعديد من الدول، عبر اتفاقيات تسمح للشركات السعودية بأن تستثمر فيها وفق تسهيلات تحفيزية تسمح بتوفير الأرضية الملائمة لنجاح تلك الاستثمارات، بخلاف النية لتأسيس شركة حكومية للاستثمار الزراعي ذات اهداف استراتيجية بعيدة، تصب في تحقيق نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي للغذاء، وستساهم هذه الخطوات بدعم الشركات الزراعية والتي يتم تداول العديد منها في السوق المالية لتعويضها عن تخفيض انتاج القمح ومساعدتها بالتحول نحو استراتيجيات جديدة في عملها ودورها المرجو مستقبلاً من خلال توفير الأموال والتسهيلات المطلوبة لتحقيق ذلك، سعياً للسيطرة مستقبلاً على جانب مهم من اسباب ارتفاع التضخم الذي نعيشه حالياً وان كان قد بدا بالتراجع نسبياً.
اما القرار الثاني فهو ما تمخض عن تغير بسياسات صندوق الاستثمارات العامة الذراع الاستثماري للدولة والذي يشارك في الشركات والمشاريع الاستراتيجية في كافة المجالات الصناعية والخدمية والمالية، عبر استثمارات مباشرة بتأسيس شركات كسابك وغالبية البنوك السعودية وشركة الكهرباء وغيرها، ويمكن القول انه صندوق سيادي محلي بامتياز، وتتركز جملة التعديلات التي أقرت برفع نسبة التمويل لأي مشروع إلى 40 في المائة بدلاً من 30 وتمديد فترة السداد إلى 20 سنة بدلاً من 15 مع فترة سماح 5 سنوات، كما تم رفع الحد الأقصى لتمويل أي مشروع بحسب حجمه إلى ما يقارب 6 مليارات ريال بدلاً من 1.5 مليار ريال سابقاً وبحسب الإعلان، فإن القرار يهدف لدعم تنفيذ المشاريع التي تتعثر بسبب أزمة الائتمان العالمي وتحفيز البنوك المحلية على المشاركة بالتمويل، ويعلم الجميع ان مشروع صهر الألمنيوم لشركة معادن تعثر قبل فترة مع انسحاب الشريك الأجنبي بسبب توقف البنوك العالمية عن تمويله. وسيساعد هذا القرار المهم في دعم مشاريع لشركات صناعية في مجالات الطاقة والبتروكيماويات، فقبل ايام اعلنت سبكيم العالمية عن الغاء فكرة انشاء وحدة لتكسير الاثيليلن بمشروعها الذي يتوقع ان يكلف مع قيمة هذه الوحدة 9 مليارات دولار وبعد الغاء هذه الوحدة انخفضت التكلفة إلى قرابة 5 مليارات دولار، وستكتفي الشركة بتأمين احتياجاته من خلال عقد مع شركة سابك.
من الواضح ان التحرك الحالي جاء لليقين الذي تأكد حاليا بصعوبة تمويل المشاريع الحيوية المقررة من الشركات والمدعومة حكومياً بشكل كبير، عبر العديد من الإجراءات وتامين متطلبات البنية التحتية، ولكن يبدو ان الاتجاه الحكومي لدعم تلك المشاريع، اصبح مباشراً ويدخل في عمق الاحتياج الحقيقي، فمشاريع شركاتنا بحاجة لخطط انقاذ، واليوم نرى هذا التوجه بدأ يأخذ طريقه نحو ذلك بسبب وضوح حالة البنوك العالمية، وعدم قدرتها على التمويل ومدى الحاجة لدينا لتنفيذ خطط التنمية التي ستتيح تنوعاً بالاقتصاد وتوفير آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين، كما تعتبر هذه الخطوات دعماً للسوق المالية عبر مساعدة الشركات بتنفيذ خططها وبرامجها التوسعية التي ستتيح لها التمويل اللازم، خصوصاً ان غالبية المشاريع مخطط لها ان تنتهي في وقت يتزامن مع التوقعات بتعافي الاقتصاد العالمي، مما يعني تحقيق عدة فوائد بوقت واحد من خلال إنشاء تلك المشاريع من جهة وتأمين السيولة لتنفيذها، بوقت تراجعت فيه التكاليف بشكل جيد، واصبحت فرص إنجازها اكثر جدوى، ولكن يبقى التمويل العائق الرئيسي لأي خطط تنموية وعائقا أمام التنوع الاقتصادي الذي نحتاجه بشكل كبير وتبدو فرص تحقيقه سانحة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحرجة، ولكن مع توفر الاحتياطات المالية الضخمة للدولة فإن الاستفادة من هذه الأزمة فرصة ذهبية يجب ان تستغل.