يضخ الإعلام وخاصة الجامعي منه، بالمشاريع التطويرية، وبناء الجودة، ويرصد لهذه المشاريع أرقام فلكية تصل إلى آلاف المليارات، وحين نسمع أو نقرأ مثل هذه الأرقام يخيل إلينا أن أوضاعنا التعليمية والوظيفية مقبلة على قفزات نوعية، وأنها أول ما سيظهر عليه أثر هذه المليارات بالإيجاب، خاصة بعد أوامر مولاي خادم الحرمين الشريفين لتحسين وتطوير وبناء كادر أعضاء هيئة التدريس بما يتفق مع التوسع الذي نشهده في إنشاء الكليات المتنوعة في التعليم العالي على وجه الخصوص. وحتى الآن لم ينعكس هذا الوابل التطويري المادي والمعنوي منه على الأستاذ الجامعي. فأنا واحدة من هذا الكادر المعني بالتطوير، بل وفي سنامه من حيث المسمى والدرجة، إلا أنني لم ألحظ أي بوادر لتطبيق معايير التطوير والجودة التي وصلت إلينا أصداؤها بينما لم يصل إلينا أصلها.
المعايير التي وضعت لتطبيق هذه المشاريع قد لا تبدو واضحة أو مفهومة أو حيادية، بل إن كثيرا منها يخضع أحيانا إلى علامات استفهام، حين ننظر إليها فنجدها تمضي في عكس اتجاه التمهين والتوطين الوظيفي (كالسعودة).
كيف يمكن التوفيق بين مقولة التطوير والواقع الذي نعيشه في واقع أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، الذين هم ركيزة وعماد التعليم الجامعي ومسيرته؟ على سبيل المثال يتم تعيين مبتعث من قبل وزارة التعليم العالي على درجة الماجستير بوظيفة معيد كونه لا توجد وظيفة محاضر تستوعبه في كل الجامعة، وفي الوقت نفسه يتم إسناد أعباء أستاذ مساعد وليس محاضرا فقط إلى هذا المعيد، ويبقى على راتب المعيد بدون أية حوافز أو مكافآت أو تعديل وضع؟ كيف يمكن أن نفهم أن هذه المليارات التي تصرف لم تستطع إيجاد وظيفة محاضر لأستاذ سعودي يبحث عن مكانه الصحيح في جامعته؟؟ لن أزيد الطين بلة فأقول: إن هذا المحاضر انتظر أكثر من ثلاث سنوات على أمل حصوله على الوظيفة بينما تبقى وظيفة المعيد وحدها المعروضة عليه، فيقبلها صاغرا، أي أن قطار التطوير وبناء الكادر وابتكار الوظائف، وتحسين الجودة لم يمر في محطة الأستاذ الذي هو عضو هيئة التدريس. فأي المحطات كان هذا القطار يتخير ويتوقف ليفيض من عطائه على غير أهله؟!
من المتعارف عليه أن الكراسي الجامعية يتم شراؤها بهدف سام يتمثل في الإنجازات البحثية والعلمية التي من شأنها أن ترفع مستوى الجامعات في ضوء الإستراتيجية التنموية وتدخلها في باب التطوير الحقيقي وعليها يتم قياس المستوى المطلوب للحصول على الاعتماد الأكاديمي الذي هو من أهم معايير الجودة والاعتماد.
كيف يمكن إذا قبول أن تذهب أموال هذه الكراسي إلى (الوقف الجامعي)، ليزيد رصيد المليارات المعتمدة لميزانيتها التي تناهز خمسة مليارات ريال؟ أيهما أولى والحالة هذه أن تذهب أموال الكراسي إلى الوقف، أم إلى تطوير البحث والدراسة وبناء الكادر والبيئة الجامعية؟ أهم من ذلك كله في أي الوجوه سوف ينفق هذا الوقف الملياري؟!
لقد سمعنا وعلى لسان معالي مدير جامعة الملك سعود الدكتور العثمان أنه سوف يتم تحويل أموال هذه الكراسي الـ78 كما ذكر معاليه إلى الوقف الجامعي. وهنا نتساءل: أليست هذه الكراسي في الأصل وقفا لأصحابها كما هو متعارف عليه في الجامعات العالمية والدولية، وأن هذه الكراسي ثابتة وباقية سواء بقى صاحبها على قيد الحياة أو غادرها لأن الورثة في هذه الحالة يخلفونه في أمرها؟!
حين يتم استثمار أموال هذه الكراسي في المشاريع الثابتة الأصول، فإن ذلك يعني بدون قصد انتهاء أمر الكرسي ليصبح تبرعا في مشروع آخر، وهذا ما ليس واردا أصلا عندما تم اعتماد هذه الكراسي من قبل أصحابها قد يكون لدى المسؤولين في الجامعة تخريجات اقتصادية أو علمية أو إعلامية نحن لا نعرفها، وربما نكون في حاجة إلى من يشرحها لنا لأنه يبدو أن هذه الأفكار حديثة جدا وطازجة، وقد تكون مرتبطة بما ورد إلينا في عالم العولمة الذي لم نفهمه بعد.. وتاليتها؟!!