يأتي اختيار الشيخ العلامة الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد -رئيسا لمجلس القضاء الأعلى- مهماً في هذا الوقت بالذات، ومنسجماً وملبياً للنظام الجديد. فهو من الكفاءات الإدارية والعلمية المتمكنة من التعاطي مع الجوانب القضائية، لا سيما بعد تسنمه لمناصب إدارية جعلته خبيراً بالإدارة ومعطياتها، وإدراكه لأمور الحياة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فعلاقته بالعلم والعلماء، وسجله الحافل بأمور الدين والدنيا جعلته محل ثقة ولاة الأمر بتكليفه وتشريفه لهذا المنصب. وستكون طاولته محملة بكثير من المطالب العامة والخاصة.
لقد قيل مراراً: إن العدل أساس الحكم، والقضاء سلطة من سلطات الدولة الثلاث. بل لا أبالغ إن قلت: إن القضاء من أهم مرافق الدولة، لكون القضاء من لوازم وضمانات الحرية التي هي مطلب رباني، حيث يوفر العدل بين الناس، ويرد الحقوق إلى أصحابها، ويمثل القاعدة الصلبة لأي حراك جدي نحو الانفتاح على المستقبل.
إن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء والذي رصد له سبعة مليارات ريال هو جزء من المشروع الأكبر والأعم، وهو مشروع الإصلاح الشامل الذي حمل لواءه الملك عبدالله على كافة الأصعدة تنم عن رغبة القيادة الملحة والأكيدة في التحديث والتطوير والعمل وفق قانون التخصص المواكب للزمن والمستجيب لمتغيراته. وحتى تقوم تلك المحاكم بدورها فلا بد من استقطاب الكوادر القضائية الكافية والمؤهلة التأهيل -الشرعي والقانوني- لمواكبة الحراك المتنامي والتطورات السريعة من حولنا.
إن أكثر المشكلات التي يعانيها الناس في أروقة المحاكم ترجع إلى قلة القضاة بالنسبة إلى عدد القضايا المرفوعة. ولذا فإن مواكبة التزايد السكاني، وكثرة المعاملات، وتحقيق مصالح الناس أمور مهمة تتطلب الإنجاز السريع في التنفيذ. خاصة وأن حياة القرار مرتبطة بجودة تفعيله وتحويله إلى واقع ملموس.
ثم إن تفاوت الأحكام التعزيرية من قاض لأخر وفق رؤيته الخاصة تستدعي تطوير المرفق القضائي عن طريق التقنين، وإصدار مدونة للأحكام التعزيرية لتكون مرجعية لكافة القضاة, تحدد من خلالها العقوبات والأحكام القضائية التعزيرية بدقة. وكلنا يذكر قصة الشابين اللذين سرقا غنماً، فسجنا ثلاث سنوات لكل منهما، وجلدهما (2000) جلدة. وقصة من ضرب زوجته حتى ماتت فسجن سنة ونصف السنة، وجلده (200) جلدة.
من جانب آخر، فإن الاستمرار بالاحتساب لترائي الهلال والأخذ بشهادة العدول فقط دون الاعتبار لرأي الهيئات العلمية التي لديها علماء ومختصون في علم الفلك وحقائق الكون ودقائقه، واستيعاب تطورات العلم ومستجدات الحياة، يدل على عدم الإلمام التام بثوابت علمية أضحت من المسلمات في عصرنا الحاضر، والشاهد على صحتها العديد من الأدلة والبراهين التي نراها ونعايشها كل يوم.
إن الاستفادة من تطورات العلوم والتكنولوجيا والمعطيات العلمية الحديثة والتقنيات المتقدمة من خلال المراصد الفلكية المتطورة التي توفرها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وغيرها من الهيئات العلمية ومراكز البحوث والتجارب في كافة أنحاء العالم، ونتائجها بلا شك قطعية يحقق المقصود الشرعي لرؤية الهلال.
فهل سيعجز علماء الأمة يا معالي الشيخ عن ابتكار الوسائل المتقدمة من أجل تحقيق المقصود الشرعي لرؤية الهلال؟ والاستفادة من علم الفلك الذي يعتبر من أهم العلوم الكونية، ومن أهم وسائل الإثبات في دخول كل شهر وخروجه؟.
drsasq@gmail.com