عبارتا (المواطن يؤكد) و(المسئول ينفي) لا تزالان تتدحرجان كخرزتي الحقيقة .. بل تتردّدان بشكل دائم دون أن تتغلّب واحدة على الأخرى، إذ إنّ بينهما مساحات شاسعة من الضبابية والالتباس وعدم الوئام .. حيث تنم هذه العلاقة عن فكر متباعد، وحضور غير واعٍ، ورمي بالمسؤولية كل على الآخر.
فحينما يظل المواطن هو الذي يؤكد ويزعم، ويعتقد، ويتصوّر، فإنّه لا يخرج عن كونه يريد الحقوق، وسينصرف عنك ولن يحدثك لمجرّد الحديث حينما تمنحه هذه المطالب، إلاّ أنّ هناك من يتزيد في مطالبه الدنيوية، وهذا ما قد يحسبه من زيادة الخير الذي يتمرّغ فيه باعتباره في بحبوبة، وعيش رغيد.
أما إن كان (المسئول ينفي) فهذه هي الحالة المرضية التي تحتاج إلى تشخيص أكثر لبعض مساوئها المباشرة ومن ثم بحث سبل علاجها، وأخطر ما فيها هو أنّ ينصب في بعض القطاعات موظف مفوه .. (وجه بن فهرة) لينافح عن كل موقف تتخذه إدارة هذا المسئول أو ذاك، فهذا الموظف سيكون مدرّباً بما يكفي لكي يستر بغطاء الكلمات أي عيب ممكن في آليات العمل، أو نقص في الخدمات، وقد يزداد المسئول نأياً عن الحقيقة حينما يصرح بذاته، فينفي أوجه القصور المحتملة في تقديم أي خدمة، بل ويستعير كلمة التأكيد من المواطن ليصوغ منها أي رد ممكن على المناوئين والخصوم من المواطنين الذين يريدون كل ما يطلبون، فقد لا يتنازلون عن أي شيء يرون فيه أنه حق ممكن لهم.
ففي اليقين أنّ العبارتين (المواطن يؤكد)، (المسئول ينفي) لن تفارقا حياتنا اليومية، ولن نتخلّص من عبئهما حتى وإن تطوّرنا شكلياً، لأنّ البعض من هؤلاء العاملين لا محالة سيطوّر هذه الفكرة إلى ما هو أعمق من التنائي والقطيعة بين طالب الخدمة ومقدمها.
وقد تدخل على الخط بعض الجهات، والقنوات الخدمية التي تحوّلت من حالة حكومية إلى حالة قطاع خاص، إلاّ أنها لم تتطوّر أو تتحوّل نحو المأمول، فهي لا تزال تمارس نفس الأدوار القديمة من التسويف والمماطلة وعدم الاهتمام في أمور المستفيد، بل يلمس الناس أنها تعمل على فكرة (النفي) و(لا صحة لما تردّد) .. وما إلى ذلك من تنصل وتهرب.
فطالما أنّ (المواطن يؤكد) حتماً ستكون هناك حملة قوية وشرسة معاكسة تحاول أن تنسف كل هذه التأكيدات بشتى المصطلحات الرامية إلى النفي .. تلك التي يمارسها المكتب المختص، أو الفريق الذي سيناجز هذه الحالة الخارجة عن مألوف الشكاوى التي قد لا ينظر إليها إلاّ من خلال هذا الرد:- لا صحة لما قاله المذكور.
وعلى الجانب الآخر نرى البعض من طالبي الخدمة حتى وإن غمسته بماء الحضارة، ونقعته بسائل التمدن، فسيظل يجأر بالشكوى من أي شيء، وهذا حقه حينما يشعر أنّ الحقوق قد تذهب إلى من سواه وهو لا يلوي على شيء.
hrbda2000@hotmail.com