الجزيرة - شيخة القحيز
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام، وعضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى، أن من فضل الله تعالى أن جعل هذه الشريعة رحمة للعالمين، جالبة لمصالح العباد، دافعة الضرر عنهم، نافعة للعباد في الدارين، مشتملة على مقاصد عظيمة، من أهمها وأعظمها ما جاء في حفظ الضرورات الخمس والاعتناء بها، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ويأتي حفظ النفس ثاني هذه الضرورات، وهذه الشريعة تهدف إلى المحافظة على النفس بما يقيمها، وكذلك بما يمنع عنها الفساد والخلل والتعدي عليها، ولا شك أن حياة الإنسان معرضة للتعدي عليها من المكلفين أنفسهم وعلى بعضهم البعض، فقامت بوضع نظام عدل يحفظ حقوق المكلفين، ومن ذلك ما جاء في القصاص، وأنه شرع لحياة الإنسان أصلا، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة، ولكن ومع وجود القصاص، إلا أن الشارع الحكيم - سبحانه وتعالى - رغب في العفو والصفح واحتساب الأجر الأكبر عنده تعالى، فقال - عز من قائل - سبحانه: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (40) سورة الشورى، هذا الأجر الكبير يناله الناس عند العفو المطلق غير المشروط، ولكن هناك من الناس من يعفو ويصفح مقابل عوض مالي، وهذا شرعا لا حرج فيه، خاصة إن كان هذا العوض المطلوب في حدود المبلغ المعقول، ولكن وجد من الناس تماد في رفع هذا العوض، حتى أصبح موضوعا لتعجيز القاتل وأهله وعاقلته، وفيه تكريس لإذكاء العداوة بين أهلي القاتل والمقتول؛ وذلك بتعريض عاقلة القاتل لبيع جميع ممتلكاتهم، وطرق أبواب المحسنين، مما يخدش مروءتهم وكرامتهم.
كما نوه فضيلته بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله، على الضوابط التي انتهت إليها اللجنة المشكلة لدراسة ظاهرة المبالغة في الصلح في قضايا القتل، وأن في تلك الضوابط قطعا لدابر الجشع واحتراما للأحكام الشرعية.
وأضاف فضيلته: إن التوجيه الملكي إشارة إلى الموازنة الحقيقية بين الخطأ والعقاب. وحث فضيلته ذوي القتيل على العفو عن القاتل لوجه الله تعالى طلبا للأجر والمثوبة، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (40) سورة الشورى.
وأشار فضيلته إلى أن ما نسمع عنه من مغالاة في طلب الدية لا يتفق مع مقاصد الشريعة التي جاءت بالتيسير ورفع الحرج والمشقة عن الناس. مؤكدا بأن ينبغي على المسلمين ابتغاء وجه الله تعالى، في جميع أعمالهم، وأن ثواب الله وأجره ورضاه هو خير وأبقى، فما عند الناس ينفد وما عند الله باق.