إن الحرب على الإرهاب ليست وليدة اليوم، أو سمة هذا العصر، بل هي ظاهرة تاريخية يجدها من تبحر في تاريخ الأمم على مر الزمان، ثم إن تلك الحرب لم ولن تنتهي، بل ستستمر ما قامت السموات والأرض، وإن اختلفت ايديولوجياتها ووسائل محاربتها. فإرهابيو اليوم هم أطفال الأمس، (واليوم سيولد إرهابي جديد) وسيكون عنصراً فاعلاً في جماعته الإرهابية إن لم يكن قائدها.
بل إن الجماعات الإرهابية في كثير من البلاد التي واجهت تلك الجماعات بقوة وصلابة قد وجدت - تلك الجماعات - أن استراتيجية تجنيد الأطفال هي الخيار الأمثل لعدة اعتبارات سيأتي ذكرها لاحقاً.
وقد برزت استراتيجية تجنيد الأطفال في صفوف الجماعات الإرهابية أكثر في العراق والجزائر وباكستان، فالتقارير الدولية المتتبعة للجماعات الإرهابية تؤكد أن تلك الجماعات قد أعطت أهمية وأولوية لتجنيد الأطفال من خلال استغلال الظروف التي تمر بها أسر أولائك الأطفال، أو من خلال بث روح الجهاد ونصرة الإسلام بين الأسر التي ما تلبث أن تقدم أطفالها نصرة للدين، (والدين بريء من تلك الجماعات)، كما أن أفراد الجماعة يجندون أطفالهم منذ نعومة أظفارهم لخدمة فكرها.
وتستطيع الجماعات الإرهابية أن تؤثر في جموع الناس بأساليب وطرق تعتمد على تغيير الاتجاهات، وتغيير الاتجاهات كمصطلح علمي في علم النفس يخبرنا أننا نستطيع أن نغير في توجهات الناس وعقائدهم وميولهم ورغباتهم إذا ما أتيحت لنا فرصة الالتقاء بهم والجلوس معهم والحديث إليهم ومناقشتهم.
ومن منطلق تغيير الاتجاهات فإننا نحن كأجهزة حكومية تحارب الإرهاب وكأفراد ندرس الفكر الإرهابي بكل أبعاده مطالبين أن نولي جانب تغيير الاتجاهات اهتماما أكبر، وأن نستفيد منه في تغيير أفكار الإرهابيين الذين تم القبض عليهم، لنتمكن من توجيههم إلى طريق الصواب، وإن كان تعديل تلك الاتجاهات يحتاج إلى بذل جهد كبير، لكن في سبيل أمن وطننا فإننا لابد أن نصبر ونبذل كل الجهود في الحديث معهم من منطلقات علمية حتى نصل بهم ومعهم إلى الهدف الذي يصون لنا أمننا ويعيد أولائك الإرهابيين إلى جادة الصواب.
إن سياسة الجماعات الإرهابية في تجنيدها للأطفال يعتمد على عدة محاور أهمها:
1- الأطفال الذين عاشوا في مجتمعات تتميز بالعنف والجريمة، حيث أصبح هؤلاء الأطفال لديهم الجرأة للضرب والسلب بل والقتل، حتى إن الخوف أصبح مصطلحا غير وارد في معاجم لغتهم، إن هؤلاء الأطفال الذين عاشوا في تلك المجتمعات غير الآمنة أصبح العدوان جزءا من شخصيتهم بسبب أن هناك ارتباطا وعلاقة بين عدم الشعور بالأمن والسلوك العدواني، لذا فإن الجماعات الإرهابية تجد في هؤلاء الأطفال العنصر المناسب لإشراكهم ضمن عناصرها التخريبية، وهذا يدعونا إلى دراسة وضع جيوب المجتمع وهي التجمعات المهمشة داخل المدن الكبيرة.
2- الأطفال الذين يعيشون في أسر فقيرة، وهؤلاء الأطفال وإن كانوا أقل جدوى من الأطفال الذين عاشوا في مجتمعات غير الآمنة، إلا أن تجنيدهم يعد أسهل حيث تقدم لهم الإغراءات المادية التي تقدمها تلك الجماعات، وأمام تلك الإغراءات لا يجد رب الأسرة بدّاً من الاستسلام أمام تلك المغريات بتسليم أبنائه لتلك الجماعات.
وتتنوع حجج تلك الجماعات باستقطاب أبناء الأسر الفقيرة بين تعليمهم أو مشاركتهم في معسكرات ترفيهية، وما إن يدخل الطفل معسكراتهم حتى تبدأ تلك الجماعات في ممارسة وسائلها في إقناعه ببعض الأفكار التي تؤمن بها تلك الجماعة ليصل في نهاية المطاف إلى قناعة تامة بأنه لابد من قتل الكفار، ويبدأ يحلم بالحور العين في الجنة، من خلال صكوك الغفران التي يمنحها زعيم الجماعة لكل من يشارك في تفجير نفسه في جماعة من الكفار - حسب اعتقادهم -.
3- خطف الأطفال والزج بهم في معسكرات التدريب، حيث يتم خطف بعض الأطفال من أسرهم ويحجزون، ويتم ترهيبهم بقتلهم وقتل أسرهم حتى إذا أصبحوا جاهزين لتلقي أي تعليمات تُملى عليهم فإن الجماعة تبدأ في تدريبهم وتغيير أفكارهم واتجاهاتهم، وحين تتأكد الجماعة أن الطفل قد تشرب أفكارها، فإنها تعطيه ميزة يفخر بها عند أقرانه، كأن يكون قائداً لمجموعة من الأطفال، وكما هو معلوم فإن روح القيادة يسري في نفوس الأطفال. إن الأطفال هم المجندون الجدد المثاليون للإرهابيين لأنهم لا يملكون القدرة على إثارة التساؤلات حول دوافع الراشدين، ويمكن التأثير فيهم بسهولة من خلال استثارة عواطفهم، كما يمكن إقناعهم بسهولة بأي عمل يطلب منهم.
إننا أمام أكثر من 50% من سكان العالم الإسلامي لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر بعد، وهذه ظاهرة ديمجرافية مروعة وخاصة أن معظم هؤلاء الأحداث يكادون لا يملكون أي سبيل للحصول على التعليم أو التوظيف، حتى إنهم سيكونون جاهزين لتلقي أي عرض مغر من أي ايديولوجية تعرض عليهم المال لتجنيدهم، فهم في الغالب في حاجة إلى المال للصرف على أسرهم التي في العادة تكون أسراً فقيرة وعدد أفرادها كبير.
وفي ضوء ذلك العرض المغري الذي سينتشل الأسرة من حضيض الفقر، ولكون هذا الطفل ليس لديه ما يخسره، فحياته لا تساوي في نظره قيمة وجبة عشاء، قد يسرقها من أحد المحلات وقد يتعرض أثناءها للقتل، فإنه يجد أنه عرض مغر بأن يشارك في أي عمل يساعد من خلاله أسرته على تسيير أمورها في الحياة.
وإن المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول قد عانت من الجماعات الإرهابية، ومازالت تعاني من تلك الجماعات الخاملة التي ما تلبث أن تظهر حين تشعر بضعف في الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي تؤخذ ضدها. ومع النجاح المتميز الذي حققته وزارة الداخلية في السعودية بتوجيهات رجل الأمن الأول سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز في دحر تلك الجماعات وقتل معظم قادتها، بل واتخاذ إجراءات استباقية أذهلت الإرهابيين أنفسهم إلا أن الإرهاب يبقى فكراً قبل أن يكون تنظيماً.
إننا أمام تحد كبير حيال ما تقوم به تلك الجماعات الإرهابية، وتغير أساليبها في التخطيط والتنفيذ ونحن في خطر أمام الاتصال والتواصل بين كافة الجماعات الإرهابية في العالم وتبادل المعلومات والخبرات والتي نخشى أن يكون أحدها هو تجنيد الأطفال في صفوفها وتجهيزهم لعمليات إرهابية قادمة حينما يجدون التوقيت المناسب لهم.
وأمام هذه التحديات فإن العمل الاستباقي في تحصين أطفالنا من سموم تلك الجماعات هو الأمر الذي لابد أن يعطى الأولوية في كافة برامجنا وخططنا التي تعمل من خلالها على دحر الإرهاب والقضاء على الإرهابيين حتى لا نعطيهم الفرصة للبدء في تجنيد أطفالنا.
وحتى لا نتفاجأ بعد زمن أن أحد الإرهابيين الذين قاموا بعملية انتحارية هو من الأطفال الذين ولدوا اليوم. فإنني من منطلق وطني أناشد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز بالعمل على إعطاء قضية الأطفال والإرهاب (تجنيد الأطفال لعملية إرهابية) كل الاهتمام، وأن تعطى الأولوية في خطط وبرامج وزارة الداخلية نحو التصدي لفئة البغي والعدوان بالعمل على وضع برامج تحصينية مركزة وعملية لأطفال اليوم، لنعمل على تحصينهم من كل فكر إرهابي قد يعرض أرضنا الطاهرة لأي خطر داهم يزعزع أمنها الذي أسس له الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-.