قد نجد منذ القدم حتى وقتنا الحاضر من الناس من يفتخر بأصله وفصله وأرومته وقبيلته، وهذا الفخر أو الاعتداد لا غبار عليه إذا كان لمن يفتخر ويعتز بهم لهم مكانة في عالم الأدب أو العلم أو الحضارة، ولكن يبقى الإنسان الفرد هو الذي يملك القيمة لنفسه وذاته،
|
فالفرد وحده هو المسؤول عن أفعاله وأعماله وهي التي تحدد مكانته بين الناس فأفعاله وأقواله ونجاحاته وإخفاقاته خاصة به وحده، لا دخل لأب أو جد أو عائلة أو قبيلة بها.. فعلى سبيل المثال فقد يسمع بعض الناس باسم المتنبي، وهذا لقب أطلق على فرد واحد من الناس بعينه، وهذا الاسم أو اللقب تردد على أسماع كثير ممن كان يهتم بالأدب والشعر واللغة في الشرق والغرب وعلى مدار ألف ومائة عام حتى وقتنا الحاضر، وقد لا يعرف البعض من هو أحمد بن الحسين الجعفي ولا من هو أبو الطيب، الذي هو في حقيقته شخص واحد وهو الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بشعره، وهو الذي عيره بعض حساده بأن أباه كان ساقياً بالكوفة يحمل قرب الماء على ظهره إلى البيوت، فلنقرأ بعضاً مما قاله ابن هذا الساقي؟ قال:
|
وآنف من أخي لأبي وأمي |
إذا لم أجده من الكرام |
أرى الأجداد تغلبها جميعاً |
على الأولاد أخلاق اللئام |
ولست بقانع من كل فضلٍ |
بأن أعزى إلى جدٍ همام |
عجبت لمن له قدّ وحدّ |
وينبو نبوة القضم الكهام |
يقول في أبياته هذه عن نفسه: أحب الكرام من الناس وأبغض أخي من أمي وأبي إذا لم أجده كريماً، فالخلق اللئيم قد يضر بالأصل الطيب، فما قيمة الإنسان اللئيم بأرومته الطيبة، فأنا لا أرضى ولا أقنع من كل فضل بأن أنسب إلى جد فاضل، إذا لم أكن هماماً بنفسي، وأنا أعجب لمن له حد السيف، وقوام الرجال، ثم لا يكون ماضياً في أموره. وهنا وفي هذه الأبيات جدد أبو الطيب ماهيته لشخص مستقل بذاته له رؤيته الخاصة به تجاه الحياة، وأضاف قائلاً:
|
ومن يجد الطريق إلى المعالي |
فلا يذر المطي بلا سنام |
ولم أر في عيوب الناس شيئاً |
كنقص القادرين على التمام |
التي تحدد ما سيكون عليه في حياته، فكأنه يقول الفرصة في الحياة متاحة لكل إنسان وحده، ولهذا قال:
|
فخر الفتى بالنفس والأفعال |
من قبله بالعم والأخوال |
وهنا فكأن أبو الطيب يقول: ما قيمة فخري بأجدادي وأعمامي وأخوالي إذا كانت نفسي وأفعالي خبيثة سيئة، فقد ألحق الضرر والعيب في أرومتي بأفعالي.
|
|