شكراً يا خادم الحرمين الشريفين يقولها كل مواطن في هذا البلد الكريم بملء جوانحه، معبراً عن الامتنان والولاء والحب والتقدير لمقامكم الكريم على القرارات الثلاثين الموفقة التي صدرت بعد دراسة وتمحيص وتدقيق ومعرفة تامة بدواعيها وأسبابها وحرص من قبلكم - حفظكم الله - على تحقيق المصلحة الوطنية..
والسعي إلى تحقيق غاياتكم النبيلة في تقدم ورقي وازدهار هذا الوطن ورفعة شأنه واختصار المسافات الزمنية للوصول إلى دول الصف الأول قريباً إن شاء الله على المستوى الدولي.
لقد بيّن مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت يوم الاثنين الماضي بتاريخ 21-2-1430هـ وهي أول جلسة بعد هذا التعديل - أن خادم الحرمين الشريفين شدد على أن الثقة التي أوليت للوزراء وجميع المسؤولين في مختلف القطاعات الذين صدرت الأوامر الملكية الكريمة بتعيينهم تؤكد عظم المسؤولية والأمانة التي يتحملونها أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام الدولة لخدمة الوطن والمواطن.
وهي ثقة ملكية كبيرة، وتاج يضعه أي مسؤول يقع عليه الاختيار لترجمة هذه الثقة وتحقيقها على أرض الواقع بنتائج عملية مثمرة وزاهية ومشرفة.
لقد اتضح في هذا التعديل الموفق حكمة وبراعة وعمق رؤية خادم الحرمين الشريفين، وذلك من خلال التركيز على صفات مقصودة في هذه المرحلة التاريخية والحساسة من مواجهة تحديات أيدولوجية واقتصادية وسياسية، ولذا يجد المتفحص لسير المنتخبين الذين وقع عليهم الاختيار من وزراء ومستشارين وقضاة وأعضاء مجلس الشورى وغيرهم صفة (الاعتدال) الفكري، وعدم الانتماء إلى أي تيار سوى ما نشأت عليه هذه الدولة المباركة من رؤية إسلامية معتدلة قابلة للتحديث والتطوير وفق المنهج الوسطي الملتزم بالكتاب الكريم والسنة المطهرة، وهي المنطلقات التي حمت هذا الكيان خلال أكثر من ثلاثة قرون على الرغم من الصراعات السياسية الدولية والأطماع والنزاعات والتجاذبات المصالحية بين أقطاب النفوذ، ونشوء الحركات الحزبية الإسلاموية وحروب وصدامات وتوترات المد القومي واكتساح النغمة الثورية العسكرية في فترة منتصف القرن الميلادي المنصرم.
لقد كان الاختيار موفقاً كل التوفيق، وليس خادم الحرمين الشريفين في حاجة إلى من يطريه، أو يؤكد له هذه الحقيقة ولكنها مشاعر الرضا والاغتباط التي عمت الجميع، ويحسن بي وغيري من الكتاب التحدث بها وبما ستفضي إليه -إن شاء الله- من نتائج إيجابية لهذا الوطن، فالاعتدال والسماحة والعمق العلمي والخبرة وصدق الولاء والانتماء والاستقامة والبعد عن تجاذبات التيارات الفكرية كانت أبرز سمات من وقع عليهم الاختيار، إضافة إلى المراقب المتفحص قد يلحظ أن كثيرين منهم لا زالوا في سن التوقد وفورة العطاء بين الأربعين والستين من أعمارهم فتوافرت الخبرة العملية والتأسيس العلمي مع النضج والعمق والمقدرة على التحكم في العواطف والمشاعر بعيداً عن فورة مقتبل العمر المبكر.
لقد جاء هذا الاختيار الملكي الكريم المدروس بعناية في وقته المناسب، بعد اكتمال وتهيئة وقراءة حصيلة عطاء عدد من وزراء ومسؤولي القطاعات الذين تم استبدالهم.
ولقد وصل ببعض من كان متذمراً من سوء الإدارة في بعض هذه القطاعات من تدني الإنتاجية أن ييأس من التغيير، وأن يضع آماله في إصلاح هذا القطاع أو ذاك إلى أن تكتمل السنوات النظامية الأربع، بيد أن خادم الحرمين الشريفين يفاجئ دائماً من يشكك أو يقلق أو ينظر بسوداوية بما يخالف التوقعات المحبطة ويؤكد - حفظه الله - أن الدولة بأجهزتها الخاصة ترقب عن كثب، وترصد، وتدون، وتستمع، وتجمع المعلومة الدقيقة حول من أنيطت به المسؤولية في أية وزارة أو قطاع وتتخذ القرار الذي يعالج السلبيات وينقذ وضع تلك الوزارة والقطاع ويخلصها من لم يكن عند حسن الظن به أو لو لم يوفق إلى الأسلوب الأمثل في إدارة جهازه أو لم يكن موفقاً أيضاً في اختيار فريقه العامل معه.
ولعل من المناسب ونحن في غمرة فرح وطني كبير بما أصدره خادم الحرمين الشريفين من قرارات إصلاحية موفقة أن نذكر - ونثق أنه يحفظه الله غير ناس ولا غافل أبداً عن ذلك - بما سبق أن وافق عليه مجلس الوزراء الموقر في جلسته التي عقدها بتاريخ الأول من شهر صفر من عام 1428هـ الموافق التاسع عشر من الشهر الثاني من عام 2007م بتشكيل الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، تكون مرتبطة بخادم الحرمين الشريفين ويعين رئيسها بأمر ملكي بمرتبة وزير، وذلك استجابة لما رفعه صاحب السمو الملكي وزير الداخلية بشأن استراتيجية هذه الهيئة وما رفعه مجلس الشورى في قراره رقم 4-3 بتاريخ 13-3-1425هـ عن استراتيجية هذه الهيئة.
وللتذكير بما شمله قرار مجلس الوزراء ورد فيه حيثيات وأهداف هذه الاستراتيجية ومنها: تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد.
وورد في القرار أيضاً آليتان لتحقيق هذه الأهداف السامية، وهما:
1- إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية ورصد نتائجها وتقويمها ومراقبتها ووضع برامج وآليات تطبيقها.
2- قيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك، وتقليص الإجراءات وتسهيلها، والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة.
ومبدأ المساءلة يشمل جميع المسؤولين مهما كانت مواقعهم دون استثناء بمن فيهم الوزراء.
إن تفعيل هذه الهيئة الرائعة في مضمونها الوطني والأخلاقي بسرعة تكوينها ووضع برنامج عملها سيجعل (المسؤول) الذي وضعت الدولة ثقتها فيه في موقف دقيق جداً لأنه يعلم أنه (مراقب) وأن أداءه تحت التقييم وأن فريق عمله الذين سيستقطبهم سينظر في انتماءاتهم ومدى جدارتهم واستحقاقهم للمراتب التي وضعوا عليها.
إن (هيئة) وطنية على هذا النحو من (المتابعة) والتحري وسماع ما يقال وما يدور وما يكتب أو تتناوله الألسن في المجالس والصوالين كفيلة بتعديل كثير من الاعوجاج والشطط والتخفيف - إن لم تستطع القضاء بالمرة - على المحسوبية والفئوية وستحمي أجهزة كثيرة من هدر المال العام، وهدر وتهجير وإماتة وتهميش القدرات المتميزة في كل قطاع.
يا خادم الحرمين الشريفين:
أخلصت لأمتك، وبذلت مهجتك لوطنك وشعبك فهنيئاً لك كل هذا الحب، وهنيئاً لنا بك قائداً مخلصاً وأباً حانياً، ومصلحاً كبيراً.
لقد وضعت ثقتك الكريمة في نخبة ممتازة من أبناء وطنك وهم إن شاء الله على قدر هذه الثقة الغالية، وتكوين هذه الهيئة سيعزز ويمكن من تحقيق أهداف وغايات التغيير وسيسرع في ظهور نتائج عمل المجتهدين ومعالجة وجوه القصور عند المقصرين، حماية وصوناً لمدخرات هذا الوطن ومقدراته على المستويين المعنوي والمادي.
ثقتكم كبيرة وسامية فيمن وليتموهم المسؤوليات في قطاعاتهم ولكن المتابعة والمحاسبة لتحقيق الأهداف النبيلة لا بد منها ولا ضير فيهما فمن كان مخلصاً متفانياً أميناً وكلهم إن شاء الله كذلك سيجد منكم كل التقدير ومن كان غير ذلك مخلاً بقيم أمانة المسؤولية الوطنية - لا سمح الله - يخضع للمساءلة والمحاسبة.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام كلية اللغة العربية - كاتب وباحث
ksa-7007@hotmail.com