قدر لي قبل أسابيع أن احضر ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية بين القطاع الخاص والعام تحت شعار (مجتمعنا مسؤوليتنا) والذي تنظمه وزارة الشؤون الاجتماعية، وابتداءً لا بد لنا أن نعرّف معنى المسؤولية الاجتماعية بمعناها الواسع فهي تشمل الالتزام بالقوانين والأنظمة المتبعة وكذلك النواحي الصحية والبيئية ومراعاة حقوق الإنسان وبالذات حقوق العاملين..
والالتزام بالمنافسة العادلة وإرضاء المستهلك والمشاركة الحقيقية بين قطاع الأعمال والقطاع الحكومي وكذلك تطوير الفرد، ويعتبر قطاع الأعمال في السعودية بعيداً إلى حد كبير عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية إلا من خلال مشاركته تحت بند العمل الخيري الذي غالباً ما يقع تحت دائرة الإحراج والضغط الاجتماعي، ومن نافلة القول هنا إن من أهم أسباب عدم انتشار مفهوم المسؤولية الاجتماعية داخل المجتمع السعودي وبالذات في قطاع الأعمال يعود في الغالب إلى قلة الخبرة والمعرفة لوضع المقاييس والمعايير الحقيقية لتفعيل هذا الجانب فغالباً ما يكون هناك خلط بين مفهوم العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية، واللافت هنا أن هناك وفق الإحصائيات الرسمية أكثر من 400 ألف رجل أعمال لديهم فقط 35 مؤسسة تنموية اجتماعية احترافية، أما الباقي فالعمل لديهم وفق الأطر التقليدية التي لا ترتقي للعمل الحقيقي لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، فكل تلك الجهود في هذه المؤسسات التي تفوق ال400 ألف ينصب مفهومها حول العمل الخيري من إعطاء الصدقات وبناء المساجد وتوفير الملابس والأطعمة للفقراء وبشكل لا يرتقي إلى تغيير المستوى الاجتماعي المعيشي للفقراء بشكل كامل ومستدام، وهذه أحد أهم المشاكل التي يواجهها المجتمع السعودي لتقوقعه داخل قمقم التقليدية والعشوائية، ولمفهوم المسؤولية الاجتماعية Responsibility social في أوساط المال والأعمال والذي يرتكز فيه على التنمية المستدامة للمجتمعات والرقي باقتصاديات تلك الدول بشكل ينعكس مباشرة على المستوى الاجتماعي والفكري والاقتصادي، ويعرّف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية بأنها (التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمع المحلي بهدف تحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد ويخدم التنمية في آنٍ واحد) وإذا أمعنا النظر في دور القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية في المجتمع السعودي وحسب الإحصائيات الصادرة والتي لا تزيد مشاركة رجال الأعمال بالمسؤولية الاجتماعية على 1% أو تقل فهذه نسبة تكاد تعطي انطباعاً سوداويا للمشاركة الاجتماعية للقطاع الخاص وكذلك البنوك، فلو تدبرنا بعض أرباح الشركات الكبيرة وكذلك البنوك لرأينا أن الصرف على المسؤولية الاجتماعية من تدريب وعلوم تنموية مستدامة ومشاركة اجتماعية ومحاربة بطالة وخلق فارق اقتصادي إيجابي في المجتمع فإننا نجد أن تلك النسبة لا تتجاوز ال1% أو تقل بكثير وهذا أمر محبّط للآمال، فأرباح البنوك وبعض الشركات الكبرى في السعودية كسابك وأرامكو هي من القدر الذي يجب أن يجعلها تتسابق على المسؤولية الاجتماعية، قد يقول مسؤول في أحد هذه القطاعات إنني على غير اطلاع بما تقوم به تلك الشركات وأنا أنادي هنا وأقول أتمنى أنني غير مطّلع إلا أنني أنادي ومن هذا المنبر أن على الشركات في القطاع الخاص أن تعلن أعمالها ونشاطاتها داخل منظومة المسؤولية الاجتماعية، وأن تقوم هيئة سوق المال بإلزام كل الشركات بإصدار معلوماتها وبياناتها حول المسؤولية الاجتماعية التي تقوم بها كل شركة كما هو الحال بإصدار بياناتها الحسابية والمالية، ويجب أن تلزم جميع الشركات إلزاماً حقيقياً بألا يقل المستقطع الخاص للمسؤولية الاجتماعية عن 5% من أرباح كل شركة حتى يستطيع المجتمع أن ينهض بدوائره الاقتصادية وحراكه الاجتماعي والتنموي المستدام، لا يفوتني في هذا المقام أن أنادي بأن يكون هناك هيئة عليا يكون عملها وساطة بين أصحاب الأفكار وأصحاب الأموال وتقوم تلك الهيئة بدراسة تلك الأفكار وتفعيلها والاستفادة من تلك الأموال وصرفها على الأفكار والمشاريع المنبثقة من تلك الهيئة حتى يتسنى لنا أن نخرج مشاريع وأفكاراً بعيدة عن العشوائية والعبثية في العمل الخيري والعمل التنموي المستدام ليكون مردودها إيجابياً على المجتمع الاقتصادي بشكل مستمر ودائم، ونحن نعلم أيها السادة أن المسؤولية الاجتماعية تتركز على مساعدة الفئات المهمشة في المجتمع ومحاولة تنميتها بشكل فعّال وكذلك جميع المحاولات التي تساهم في تتطوع الشركات لتحقيق تنمية ليست لاعتبارات أخلاقية واجتماعية، وهي كذلك الاستثمار في البشر وتنمية الموارد البشرية وتوفير بيئة عمل ملائمة، ويبدو لي هنا أن الشركات في المجتمع السعودي ليست عصية على التفاعل داخل منظومة المسؤولية الاجتماعية إلا أنها تطلب أفكاراً وبشراً يفعلون لهم العمل الاجتماعي التنموي المستدام، وأتمنى هنا ألا يكون العمل الخيري وبالذات المعلن في المملكة هو من باب الوجاهة أو الضغط الاجتماعي أو قائماً على لعبة المنفعة التي تقدم عملاً خيرياً ليعود عليها بالنفع بالمستقبل أو أنها تجد نفسها في موقع من المكانة الاقتصادية التي يجبرها على التبرع، وقد أوضحت الإحصائيات الدولية أن 86% من المستهلكين يفضلون الشراء من الشركات التي لديها دور في خدمة المجتمع، وأخيراً أجدني أقترحُ بعض النقاط التي أتمنى أن تجد قبولاً من ذوي العلاقة في هذا الشأن، أهمها أن يكون هناك مظلة رسمية تنضوي تحتها جميع الأعمال الخيرية العشوائية لتقوم بإدارتها بشكل احترافي، وأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بعمل إدارة تُعنى بالمسؤولية الاجتماعية وتقوم تلك الإدارة على التفاعل الحقيقي مع المجتمع لتبني تلك الأفكار الرائدة التي ترد إليها بهذا الشأن، التفاعل من قبل وسائل الإعلام بأهمية دور المسؤولية الاجتماعية المناطة برجال الأعمال وكذلك المؤسسات الحكومية، إعطاء الدورات التثقيفية المستمرة من قِبل الوزارة لرجال الأعمال حول أهمية دور المسؤولية الاجتماعية ومنافعها الدنيوية والأخروية والتي تعود على نجاح العمل الخاص قبل المردود الأخروي.
كاتب سعودي
Kmkfax2197005@hotmail.com