قبل أن تصل وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى (بكين) ارتدت قفازات حريرية ناعمة مصنوعة من حرير صيني مرهف, وصرحت أثناء مؤتمر صحفي في كوريا بأن قضية التبت ومطالبتها بالاستقلال على الرغم من كونها تسبب قلقا للولايات المتحدة، إلا أن هذا لن يتقاطع بالتأكيد مع المصالح الاقتصادية المشتركة بين الصين والولايات المتحدة.
هذا التصريح لا يشبه الحملة العارمة التي روجت لها وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بالتحديد في الصيف الماضي أثناء انعقاد الألعاب الأولمبية في الصين حول قضية التبت، وأيضا حول دور الصين في تسليح عدد من الحركات الإرهابية العنيفة على رأسها تسليح القوات التي أسهمت في مجازر دارفور بالسودان، ذلك المد الإعلامي العارم الصيف الماضي، حاول أن يشوش على المجد الذي نالته الصين عبر دورة ألعاب أولمبية ناجحة وتاريخية.
تصريحات كلينتون الأخيرة، أزعجت وأثارت حفيظة منظمات حقوق الإنسان العالمية، وعلى رأسها منظمة (أمنيستي) التي وجدت في هذا التصريح استهانة أمريكية بحقوق شعب التبت.
وهذا الموقف بالتحديد يعيد فتح ملف حقوق الإنسان في أذهاننا، ويثير الأسئلة عن مدى تقاطعه مع الملف السياسي وقائمة المصالح التي تجعل الاعلام يسلط الضوء على منطقة في فترة معينة ومن ثم يغض الطرف عنها أحيانا أخرى، ولطالما عانت قضايانا العربية من منظور الرؤية الأحادي الذي تتسم به بعض وسائل الإعلام الغربية في هذا المجال.
بل لطالما وظف هذا الملف كذريعة أو مظلة من الممكن أن يمرر من خلالها الكثير من المشاريع المريبة في المنطقة.
لكن في المقابل قد يكون الخطأ الأكبر الذي قد نرتكبه أو ترتكبه الهيئات المحلية المعنية بحقوق الإنسان محليا، هو اتخاذ موقع دفاعي صرف، يجلله الغموض، ومن ثم محاولة تبرير أو تسويغ ما هو قائم، أو مواراته أو تنحيته عن المشهد الدولي، ضمن نفس العقلية البائدة لإعلام الستار الحديدي.
أعتقد أن المزيد من الوضوح والشفافية فيما يتعلق بحقوق الإنسان هو من أبرز متطلبات العمل الدبلوماسي والحضور الدولي، ومناقشة مواضيع مثل الشفافية، حقوق المرأة، الأنظمة العدلية أو حقوق الأقليات وسواها من القضايا بوضوح وحياد أو كمبنى تحت الإنشاء، سيجعلنا خارج قائمة المساومات الدولية في هذا المجال، والتي توظف أحيانا لتمرير أجندات مصالح دولية.
الشفافية والوضوح في المحافل الدولية سيعكس حتما ديناميكية أمة تشق طريقها إلى المستقبل، بشكل لا يوارب أو يخفي معوقاته وصعوباته، ولكنها أمة تتسلح دوما بإرادة إنسانية ورغبة عارمة في التغيير، مع تيار شعبي يشق طريقه إلى الغد بمعاول الإصلاح.
الوضوح والشفافية في ملف حقوق الإنسان، يغلق الطريق على من يحاول عرقلة مسيرتنا باتجاه الاندغام مع المجتمع الدولي، الاندماج الايجابي الفاعل في الحضارة العالمية.
ولا يسمح للقفازات الحريرية الناعمة أن تعبث بملفاتنا الخاصة.