لو كانت لدينا شبكة سكة حديدية متكاملة، لأسهمت ليس في خفض حوادث المرور، ولكن وهذا هو المهم في ربط المواطن بقراه وهجره ومدنه، ولأحيت هذه الشبكة الميِّت من المحطات، فالخطوط الحديدية إذا كانت دقيقة في مواعيد انطلاقها ووصولها، فإنها تسهم في تخفيض الضغط على الطرق وفي الحد من استخدام السيارات وتقليص الاعتماد على الطائرات ولا أدري لماذا صرفنا النظر منذ أكثر من نصف قرن عن مد خط حديدي بين مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة ليخدم هذه المدن وقراها وهجرها، ولماذا توقف خط سكة حديد الحجاز حتى تاهت علاماته وسرقت قضبانه، ولم يبق منه إلا محطة المدينة بعمارتها المميزة نزورها للفرجة وللثقافة ولتذكر مواقع وأحداث تاريخية كانت المدينة مسرحا لها، ولنتذكر ونترحم أيضاً على من تبرعوا من المسلمين للمساهمين في مد ذلك الخط، الذي قضى عليه الشريف وأعوانه.
هناك من ينظر إلى محطات السكك الحديدية نظرة استثمارية، تدر عائدا للمساهمين فيها، وهناك من ينظر إليها كبعد حضاري هدفه ربط الدول والمدن وما ينتج عن ذلك من بناء روابط اجتماعية وثقافية ونشوء مراكز وقرى جديدة، ثم وهذا هو المهم تخفيف الضغط عن العوادم أو المراكز، فالساكن في القرى بإمكانه ممارسة عمله في العاصمة ثم العودة إلى مقر سكناه ومعه المجال واسعاً في القطار لإنجاز أعماله أو قراءة صحفه أو كتبه المفضلة، والقطار مجال لعقد الصداقات وتبادل المنافع بين المتعاملين معه، وراكب القطار قد يعيش مع أسرته أو أصدقائه في مكان خاص. بعيدا عن ضجيج الأطفال والركاب الآخرين وبإمكانه في سفره الطويل اصطحاب سيارته لتكون معه في تنقلاته الداخلية بدلاً من تعريض نفسه لمشكلات الطريق والإرهاق.
والقطار فوق ذلك كله وسيلة ناجحة لنقل البضائع بأقل التكاليف، وهذه البضائع تشكل رافداً لشركة القطار تسهم عادة في تخفيف العبء عن الركاب بجعل أسعار التذاكر في متناول جميع الطبقات. من أجمل الإنجازات التي تركها الاستعمار الإنجليزي في الدول التي غزاها، إنشاؤه الكليات الراقية وترسيخ الحياة البرلمانية ومد خطوط السكك الحديدية، وأبرزها الموجودة في مصر والعراق والسودان والهند، لكن المؤسف أن هذه المنجزات بدلا من تطويرها والإضافة إليها دمرت مع مزيد من اللعنات للاستعمار وأذنابه، أما خط سكة الحديد الحجازي فقد بني بجهود المسلمين، صحيح أن الأتراك استغلوه في نقل عتادهم العسكري، إلا أن الصحيح أيضاً انه أسهم كثيرا في تيسير زيارة المدينة والمحطات التي في طريقها وكان ينزل ركابه أمام باب السلام، حتى حلت الحرب العالمية الأولى، فجرى تدميره ونهب قضبانه لإعاقة الإمدادات العسكرية، حتى انتهى إلى ما انتهى إليه، وكانت هناك فكرة لمد الخط الحجازي إلى مكة المكرمة، لكن ضغوطاً كثيرة حالت دون ذلك، فالخط سوف يقطع مكاسب الجمالة وقطاع الطرق وهي مكاسب لا يستهان بها في زمن كان قطع الطريق مهنة من لا مهنة له!
إن كل يوم يمر دون العمل على تنفيذ الخطوط الحديدية التي تربط أجزاء المملكة، وتربط المملكة بالدول المجاورة، سوف يعني زيادة في التكاليف والأعباء، خصوصاً في ظل تنامي حوادث الطرق، والضغط على هذه الطرق، من السيارات والشاحنات.
إن السكك الحديدية خدمة حضارية آن الأوان للشروع في تقديمها وبأسرع وقت ممكن، عن طريق شركات متخصصة، تصونها وترعاها، حتى لا تتحول مع الوقت إلى خطوط بائسة، مثل تلك التي مدها الاستعمار البريطاني في مستعمراته السابقة.
فاكس: 012054137