في مقالات سابقة نشرت في جريدة الجزيرة، بعنوان (هل حان الوقت لإنشاء هيئة وطنية سعودية لإدارة الطوارئ للتقليل من أضرار الكوارث) الذي نشر بتاريخ 19 يوليو 2007م بالعدد 12712.
وأيضاً بعنوان: المزيد عن هيئة إدارة الطوارئ السعودية (سيما) بتاريخ 27 من يناير 2008م في العدد 12904 وذكرت فيها أننا نظرنا إلى الكوارث المختلفة التي تحدث في هذا العالم، نجد أن أمم هذا العالم ومؤسساتها المختلفة تتطلع إلى إيجاد طرق لحماية قرابة 304 بليون نسمة يعيشون في مناطق معرضة لخطر واحد من الأخطار الطبيعية، مثل الفيضانات، الأعاصير، الزلازل، الثوران البركاني، وغزو الجراد للمناطق الزراعية والأخطار النووية والكيميائية وغيرها من الأخطار.
وطرحت العديد من الأسئلة التي تجول في خاطري وفي خاطر كل غيور على هذا البلد المعطاء، وأحد هذه التساؤلات، مثلاً: هل لدينا تخطيط للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المملكة؟ وإذا لم يكن فنحن في حاجة إلى وضع استراتيجية وطنية في مجال الوقاية وتقليص المخاطر تشرك كل الفاعلين المعنيين وتهدف إلى تحديد المسؤوليات والمهام في إطار رؤية شاملة ومندمجة بإشكالية المخاطر. ومن بين المحاور ذات الأولوية لهذه الاستراتيجية الأخذ بعين الاعتبار تحسين المعرفة من خلال التعريف بالمخاطر، وتوعية وإعلام الرأي العام حول جميع أنواع المخاطر وحول السلوكيات التي يجب اعتمادها في حالة الكوارث.
ويجب أن نجد الإجابة عن سؤال: هل يتعين علينا انتظار حدوث مآس رهيبة كي نعي ونستشعر مسؤوليتنا؟ وأعتقد أن بلادنا الغالية لا تقبل الانصياع لهذه الحتمية، ولذلك، فعلينا تحمل كامل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا.
وفي هذا الإطار، يجب أن نتخذ العديد من التدابير واسعة النطاق على الصعيد الوطني، ومن بينها بلورة الاستراتيجية الوطنية للوقاية وتدبير أخطار الكوارث، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، مثل الكارثة الاقتصادية التي نعيشها وتأثر بها كل بيت سعودي.
وحديثا نشرتُُ مقال بعنوان حتى لا تتوالى مثل هذه الكوارث علينا مستقبلاً في جريدة الجزيرة بتاريخ 17-10-2008م، ذكرت فيه احتياجنا للتخطيط طويل المدى للاقتصاد السعودي ليظل قوياً غير تابع لقوة اقتصادية أخرى، حتى لا نصبح فريسة سهلة تلتهمها الحيتان الاقتصادية الكبرى.
وأن علينا إنشاء إدارة خاصة من ضمن هيئة الطوارئ السعودية (التي أتمنى أن تنشأ اليوم) تهتم فقط بالتخطيط وإدارة الأزمات والكوارث الاقتصادية لتجنب حدوثها والتقليل من مخاطرها مستقبلاً في بلادنا. لا تنتظروا حتى تتفشى في المجتمع آثار الفقر وتكثر الجريمة وتستفحل في مجتمع لا يعرفها. لا تنتظروا حتى تبدأ آثار الدمار لمجتمع تأسس بالإيمان والصبر والكفاح على مر السنين. لا تنتظروا حتى يكثر الساخطون ويتفكك المجتمع وينهار. بادروا بالحكمة والقرارات الصائبة السريعة لانتشال المجتمع من التدهور.
ولعلكم تتذكرون الأزمة المالية العالمية منذ أكثر من عشر سنوات التي ضربت دول جنوب شرق آسيا، وكشفت هشاشة تبعية اقتصاديات هذه الدول للاقتصاد الأمريكي جانباً من ضعف بنيتها، مما أعادها إلى الوراء منذ ذلك الوقت وهز أسطورة النمور الآسيوية.
وحالياً في الإمارات والكويت بدأت تظهر بقوة آثار الأزمة العالمية. وفي بلادنا نزيف مؤشر سوق المال السعودي مستمر منذ وقت طويل، و(الفأس وقع في الرأس) وكثير من المواطنين فقدوا مدخراتهم، ولذلك يجب أن نفكر كيف نجعل هذا البلد العزيز على قلوبنا يتخطى مراحل الخطر والأزمات.
وأملي أن يناقش بشفافية في مؤتمر عام موضوع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الراهنة وآثارها المتوقعة على الاقتصاد السعودي، وأن تتم المناقشة من خلال محاور رئيسية، تتمثل في عرض شامل لجذور الأزمة المالية العالمية وخلفياتها، والتداعيات الراهنة لهذه الأزمة على بلدان العالم المختلفة وبينها السعودية، وهل الأزمة إلا نتيجة لما وصف بالانفجار الذي شهده العام 2006م نتيجة لخفض معدلات الفائدة والإفراط في منح قروض بسخاء وبتوسع لا محدود لطالبي القروض العقارية على وجه الخصوص. وبسبب تحول الرهون العقارية إلى أوراق مالية في البورصات، وعجز المقترضون عن السداد، وما نجم عن ذلك من خسائر، تفاقمت أزمة القروض، وظهرت مؤشرات على عدم إمكانية سداد القروض من قبل فئة ذوي السجل الجيد، فانتقل الدور إلى مقرضي الرهون الكبار مما أدى إلى انهيار بنوك، وطال الانهيار سوق الأوراق المالية الأمريكي، وتهاوت كبريات البنوك الاستثمارية في العالم وأبرزها ليمان براذرز، مما أدى إلى اجتياح العاصفة المالية العالم بأكمله.
وتأثير الأزمة المالية بدا واضحاً في تدني أسعار النفط، ولها تأثير في تباطؤ مستوى تدفق القروض والمساعدات، لذلك يجب معرفة رؤية الجهات المعنية بشفافية تجاه الأزمة مثل وزارة التخطيط، وتحديات أداء الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة المالية العالمية، بما في ذلك تحديات النمو الاقتصادي، والميزانية العامة، والقطاع النقدي والمصرفي.
وكذلك رؤية وزارة المالية عن التأثير الذي أحدثته الأزمة المالية العالمية، على المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بموارد الدولة، وبما يتعلق بعجز الموازنة والإنفاق العام. وما هي الإجراءات التي ستتخذ بشأن مواجهة تأثيرات هذه الأزمة على عجز الموازنة والإنفاق العام، وذلك من خلال ضبط الإنفاق والمواءمة بين تدفق الإيرادات وحدود النفقات بشقيها الجاري والرأسمالي.
كما نحتاج رؤية مؤسسة النقد على النظام المصرفي في بلادنا، وهل نحن في مأمن من تأثير الأزمة المالية العالمية ومعرفة الإصلاحات التي قامت بها المؤسسة في الفترة الماضية، وما ستقوم به مستقبلاً في إطار برنامج الإصلاح الذي يتبناه خادم الحرمين في الوقت الراهن. وخصوصاً عن التشريعات المنظمة للعمل المصرفي، لذلك يجب أن تتضمن الرؤية أيضاً المعالجات التي قامت بها المؤسسة لتجنيب القطاع المصرفي آثار الأزمة.
ونحتاج أيضاً إلى رؤية جهات عديدة مثل هيئة السياحة ومعرفة مجالات تأثير الأزمة المالية العالمية في انخفاض حجم الحركة السياحية الدينية، بكل ما يستتبع ذلك من آثار على قطاع السياحة والخدمات المرتبطة به.
وما هي الاجراءات التي يتعين اتخاذها لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة، مثل تبني خطة إنعاش لقطاع السياحة تتضمن عدداً من الإجراءات السريعة المطلوب اتخاذها ومن أهمها تقديم حزمة من الحوافز التنافسية للخدمات السياحية التي تساعد في جذب السياح لزيارة المناطق المقدسة.
وكذلك رؤية وزارة التجارة نحو توقعات تأثير الأزمة المالية العالمية على ميزان المدفوعات بشكل عام وعلى الميزان التجاري بشكل خاص وعلى حركة التجارة.
كما يجب أن تكون هناك توصيات بشأن الاهتمام بقطاعات أساسية مثل قطاع النفط والغاز والتعدين، والقطاع المصرفي، والمجال الاقتصادي والاستثماري، ومجال الميزانية العامة وزيادة الاحتياطي العام للأجيال القادمة، والعمل على خفض أسعار الفائدة، والالتزام الصارم بمعايير الائتمان ومراقبة البنوك.
وكذلك العمل على تنمية الموارد بأقصى حد والعمل على منع إهدار الإيرادات، وسرعة تشريع قوانين للاقتراض لتجاوز الكثير من أوجه القصور التي تحد من الاستغلال الأمثل للقروض.
وأعتقد أنه في حالة إجراء أي دراسة، فستظهر -على ما يبدو- أن هناك تأثيرات، سلبية وإيجابية، حيث تتمثل التأثيرات السلبية في تراجع أسعار النفط، وأثر ذلك على الموازنة العامة وعلى ميزان المدفوعات.
أما التأثيرات الإيجابية فتتمثل في توقعات بشأن انخفاض قيمة السلع الواردة، والتي لم تظهر حتى الآن، كما سيكون هناك انخفاض في معدلات التضخم، وانخفاض في تكاليف العمل، وتوافر فرص لجذب المستثمرين.
هل يتعين علينا انتظار حدوث مآس رهيبة كي نعي ونستشعر مسؤوليتنا؟
لذلك أرجو أن نرقى لتطلعات أولي الأمر في بلادنا ونجنّب بلادنا مشاكل الأزمة المالية العالمية. إنها مسئولية عظيمة.