يقصد بالأمن الفكري من وجهة نظري (الاستجابة للمؤثرات الإيجابية المختلفة التي تضبط الفكر من الانحراف مما يعكس سلوكاً إيجابياً محموداً). ويبقى الحديث حول هذه المؤثرات الإيجابية المختلفة التي يأتي في طليعتها التعاليم الدينية المستمدة من منطوق ومفهوم النصوص الشرعية وما بني عليها من قواعد شرعية ومقاصد للشريعة تكفل حفظ الضروريات الخمس لحياة الإنسان بشكل آمن.
وتأتي الإشكالية في وعي مجتمعنا لهذا الأمر في الاختلاف في مفهوم هذه النصوص وتعمد تفسيرها بما يوافق الهوى من بعض التحريضيين لتحقيق أهداف مشبوهة مبنية على الشبهات أو الشهوات مما يوجد التضاد في الفهم لما يحقق الأمن الفكري للمجتمع وما حصل من إفرازات سلبية للتفسير الخاطئ للنصوص تمثلت بالتفجيرات والأعمال العدوانية المخلة بالأمن. كل ذلك كان محصلة للخلل الفكري لدى شريحة من مجتمعنا استطاع المحرضون اختراقها وإملاء أفكارهم العدوانية عليها مما تسبب في ردة فعل قوية لدى عقلاء المجتمع والمعنيين يحفظ الأمن العام بمختلف تخصصاتهم الأمنية وكذا المعنيين بتصحيح الفكر المنحرف الدافع لتلك الأعمال العدوانية بمختلف مؤسسات المجتمع المعنية بهذا الشأن التربوية منها والدعوية والإعلامية والتعليمية إلى أن يهبوا لتعرية هذا الفكر الدخيل ومحاربته مما كان له الأثر الإيجابي لحفظ الأمن والحد من المزيد من التورط من قبل الشباب المتدين في هذا الوحل والمنزلق الخطير الذي كان يرفع شعار الدين كمبرر له.
ويبقى دور الجهات ذات العلاقة (الأسرة - المؤسسات التربوية - المدارس والجامعات - المساحد والدعاة - وسائل الإعلام - الأندية الرياضية والأدبية والمثقفين) بتكريس هذا المفهوم في مجتمعنا بشكل منظم ومنتظم عبر آليات وإستراتيجيات محددة ومدروسة لمواجهة أدوات الاختراق الفكري للمجتمع المتمثلة بوسائل الاتصال المختلفة، حيث يمثل الإنترنت أخطرها بما تحمله من انفتاح غير مسبوق على العالم بطريقة يستحيل الحد منها أو ضبطها أو التحكم بتأثيره. فهنا يتحتم التحصين الذاتي للمجتمع خصوصاً شريحة الناشئة منه.
ونلحظ أن المنظومة العامة لمؤسسات الدولة المدنية التعليمية منها والتربوية والدعوية والإعلامية تبذل جهوداً مشكورة لتحقيق الأمن الفكري، لكن تبقى هذه الجهود مقلة مقارنة بحجم الخطر المستهدفة به بلادنا. ومما يؤكد هذا تصريحات صاحب السمو الملكي وزير الداخلية التي تؤكد ضعف الجهود الفكرية وضرورة زيادتها لتواكب الجهود الأمنية الاستباقية الموفقة لمحاربة نتاج الخلل الفكري لدى الشباب المتورطين في الأعمال الإرهابية في الداخل والمقحمين لأنفسهم في الصراعات الإقليمية المحيطة دون إذن من ولي الأمر الذي أوكل إليه شرعاً المسائل المتعلقة بمصلحة الأمة وعلى رأسها الجهاد.
وأرى كمقترحات لتكريس مفهوم الأمن الفكري في المجتمع أن تقوم مؤسسات الدولة المعنية بالفكر والسلوك بشكل أو بآخر بوضع الخطط الإستراتيجية ذات الأطر والآليات المحددة لتصحيح الفكر المنحرف، وأن تكون أولى خطواتها في هذا الشأن هي نشر الفكر الصحيح لعقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من النصوص الشرعية للمسائل ذات التأثير على السلوك المتعلق بعلاقة الحاكم بالرعية كالبيعة وطاعة ولي الأمر وبيان مسائل الجهاد وضوابط الاستشهاد وحرمة الدماء المعصومة وضوابط إنكار المنكر.
كما لا يخفى أهمية دور العلماء باحتوائهم الشباب عبر الوسائل المختلفة كالدروس والمحاضرات الهادفة والبرامج الإعلامية عبر وسائل الإعلام المقروء منها والمسموع والمرئي.
كما أرى أن في نقل التجربة مع الموقوفين في القضايا الفكرية عبر أعضاء لجنة المناصحة الأثر البالغ في إيصال رسالة المتورطين النادمين للمجتمع (فالسعيد من وعظ بغيره)، فكم من عاطفة غير منضبطة بضوابط الشرع ندم صاحبها، وكم من تعجل ومجاملة أوديا بصاحبهما المهالك، وكم من شبهة باطلة دفعت بصاحبه إلى وحل التكفير للمسلمين وللمواجهات الخاسرة مع رجال الأمن.