كثير من كتاب العرب أصابهم الحنق، وتلبستهم أوشحة المحاماة عن الرئيس الأمريكي جورج بوش، جراء ما حدث له من رشق حذائي في دولة العراق، حيث أطلق أولئك (الكتبة) على الصحفي العراقي منتظر الزيدي كل منقصة، فمنهم من وصفه بالجبان التواق إلى الشهرة، والآخر نعته بالمشبوه، والثالث أطلق عليه السفيه، والرابع قال إن ما قام به الزيدي عمل غوغائي وصوت كريه، ومنهم من اتهمه بالإرهاب، ومنهم ومنهم، ولم يفطن أولئك (المحامون) أن الرئيس بوش نفسه تلقى الحذاء الطائر من جوار شحمة أذنه بكل أريحية، بل علق (على أن الرمية هي نتاج الحرية التي أحضرتها إدارته للعراقيين!!) طبعاً بعد حرية أبو غريب وجوانتانامو وما صاحبهما من القتل والعربدة وحالات الاغتصاب.. لم يتنبه أولئك المتباكون على بوش، أن الإعلام الأمريكي (الذي يسيرون في فلكه) تناول تلك الحادثة بمزيد من الفرح، والسخرية، والتشفي، بسبب ما اقترفته سياسة بوش من النكبات عليهم وعلى مجتمعهم، سواء فيما يتعلق بقتل أبنائهم الأبرياء في الحربين الظالمتين في كل من العراق وأفغانستان، أو بتدمير الاقتصاد الأمريكي إلى الحد الذي ينذر بالانهيار الشامل للرأسمالية الغربية، كل تلك التداعيات نتجت عن الصلف والتعنت والرعونة التي تميزت بها قيادة الرئيس بوش لفترتي حكمه بالبيت الأبيض، ولذلك لم ينتفض الإعلام الأمريكي ليدافع عن بوش كما فعل (كتابنا الأفذاذ). لا أدري إلى متى يظل هؤلاء المحامون تتغشاهم الحمى كل ما جاءهم نذير من واشنطن؟! مع العلم أن هذه الواقعة بالذات خالفت سياساتهم وتوجهاتهم، فلم يستفزع الإعلام الأمريكي هذه المرة بأعوانه الجهابذة وممثليه في البلاد العربية، لأنه (أي الإعلام الأمريكي) هو أول من استهزأ ورقص فرحاً ونشوة وتندر بما تبقى من شخصية السيد بوش!! ولكنها العادة والإخلاص المنقطع النظير الذي أخذه أولئك الكتاب على أنفسهم، بضرورة التصدي لكل ما يوجه ضد الولايات المتحدة الأمريكية، على مبدأ انصر بوش ظالماً أو مظلوماً، يتغنون (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم) يرددون بعقول مسلوبة (بأن ذلك العمل همجي وغير حضاري وينافي أخلاق المهنة الصحفية) يتحدثون في حالة مزرية من الانكسار والمهانة (بأن تلك الحادثة مست الشرف العربي والقيم الإسلامية ولم تزد بوش إلا عزة وافتخاراً بتثبيت الديمقراطية)!! لم نعد نعرف كيف يفكر أولئك النفر، فعندما تنتهج الشعوب المحتلة سلاح المقاومة، لطرد المحتلين وتحرير الأرض، يصفونهم بالإرهابيين.. وعندما يستل الشرفاء أقلامهم للدفاع عن السيادة والحق المسلوب والكرامة المهدرة، ينعتونهم بالغوغائيين والظلاميين ومحرضي الشعوب على التخلف، وعندما يحتج الصحفي العراقي برشق الحذاء في وجه المتسبب في قتل أهل العراق واحتلال أرضهم واغتصاب نسائهم بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن إلا في مخيلته فقط، يتسابق أولئك المحامون على إدانة الصحفي العراقي!! أتساءل من هذا المنبر الإعلامي أنا وغيري: إذا كنتم غاضبون وحانقون على ما أقدم عليه منتظر الزيدي، فماذا قدمتم أنتم لأوطانكم وأمتكم؟؟ أين تأثير أقلامكم التي تفخرون بأحبارها على دعم قضايا الأمة العربية والدفاع عن حقوقها المسؤولة وأراضيها المحتلة؟ هل وقفتم مع الحق وأنكرتم الباطل؟ وماذا بقي لديكم من مصطلحات الدفاع عن النفس، كالانتصار للكرامة، والمقاومة، والنضال، وعدم الخنوع والانبطاح، والشجاعة والإقدام؟؟ لقد باتت تلك المصطلحات في قواميسكم اللغوية من مرادفات مصطلح (الإرهاب)!!
وأخيراً لماذا تتهربون من تسمية الأشياء بأسمائها؟ فأنتم تسمون قوات الاحتلال بقوات التحالف بينما لا يتردد إعلام المحتل نفسه على إطلاق القوات المحتلة على جنوده!! أعلم جيداً أن حذاء الزيدي ليس رمزاً للبطولة في زمن القاذفات والصواريخ عابرة القارات والحروب الإلكترونية، ولكنه تعبير واحتجاج يتناسب مع قهر الرجال وشهامة الشجعان، الذين لم يجدوا أمامهم في ذلك الموقف من أدوات الرفض لما يسمعونه إلا رشق الحذاء.