الفقه يعني: استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. وهذا الاستنباط صالح لكل عصر. والفقه يعني: الاجتهاد في معرفة الحكم الشرعي. فكل مجتهد يبذل جهده في التعرف على الحكم الشرعي من مصدره. والاجتهاد لا ينقطع في عصر من العصور بل هو مستمر تبعاً لوجود المجتهدين.
والتجديد في الفقه يعني: تنزيل الأحكام وفق مقتضيات الأحوال والنوازل الفقهية، فلكل نازلة ما يناسبها من الحكم الشرعي، مع ثبوت الأصل الذي تبنى عليه هذه الأحكام. هذا دليل على مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وهذا يدفع شبهة التعصب والجمود التي تحاك ضد شريعة الإسلام السمحة، فالفقه قابل للاجتهاد في كل عصر.
والجهات المخولة والقادرة على التجديد هي المؤسسات العلمية المتخصصة في العلم الشرعي والمنتسبون إليها من رجال العلم والفقه والفتوى، فهم المعنيون بهذا الجانب متى رأوا أن المصلحة تقتضي ذلك فالله سبحانه وتعالى يقول {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، فالفقه والبحث في مسائله فن لا يرومه إلا أهله وخاصته، كما أن الطب فن لا يفتي فيه إلا الأطباء وهكذا سائر العلوم الأخرى.
ودور العلماء والمجامع الفقهية والكليات الشرعية البحث في مسائل الفقه وبخاصة الفرعيات التي تتجدد مع مرور الزمن، ولقد عنيت المجامع الفقهية مؤخراً بفقه النوازل خصوصاً في العبادات والمعاملات وكذا عني الباحثون المنتسبون للكليات الشرعية بهذا الجانب عناية كبيرة من خلال ما يقدمونه من أبحاث لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، حيث تركز اهتمامهم بالفقه المعاصر لشدة الحاجة إليه وخفاء كثير من أحكامه على طلاب العلم فضلاً عن غيرهم.
والمتتبع لمجلة مجمع الفقه الإسلامي يجد أن أجزاءها الأخيرة تكاد تكون خالصة في الفقه المعاصر، وكذا عناوين البحوث العلمية للدارسين، وهذا يعني أن هناك اهتماماً ملموساً بهذا النوع من الفقه. ولكن مهما يكن فلا تزال الجهود - في نظري - قاصرة في إبراز هذا الجانب من الفقه. فإن البحوث وحدها غير كافية إذا لم يتبع ذلك جهات تقوم بنشرها وتوزيعها وإقامة ندوات مكثفة عن فقه النوازل في مختلف الجامعات التي تعنى بالدراسات الإسلامية. وتفعيل هذا الجهد في كافة قطاعات المجتمع ليستفيد منه الجميع كل فيما يخصه. والجامعات في المملكة لديها - ولله الحمد - من الإمكانات ما يحقق هذا الغرض.
نعم المطالبة بالتغيير لا يعني التقليل من أهمية كتب التراث ولكن يهدف ذلك إلى سعة الاطلاع لدى طالب العلم ومسايرة العلم لمتطلبات العصر وهذا قد لا يوجد في مثل كتاب الزاد. والعلماء المعاصرون لهم اجتهادات فقهية جيدة تناسب ظروف العصر فمن المصلحة أن طالب العلم الشرعي يطلع على تلك الاجتهادات ليقارن بين الفقه القديم والجديد مع ثبوت المرجعية لكل منهما إلا أن الفقه الجديد يعتمد على الاستنباط والتخريج أكثر لكون الفروع الفقهية التي جدت في هذا العصر بحاجة إلى تأصيل قد لا يدل عليه ظاهر النصوص الشرعية فيأتي دور المجتهد في استنباط الحكم الشرعي من الدليل بإحدى طرق الاستنباط التي يعرفها المتخصصون في هذا الفن.
والفقه الاقتصادي جزء لا يتجزأ من علم الفقه فهو يبحث في الأحكام الشرعية المتعلقة بالمال خصوصاً مع النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتنوع الأساليب التنموية، والتضخم المالي. كل ذلك وغيره مما ساعد على أهمية البحوث الاقتصادية وإيجاد المرجعية الكاملة لها لتستمد منها أحكامها وفق تعاليم الإسلام الذي جعل المال ضرورة من ضرورات الحياة، وبيّن أحكام التعامل به وفيه مما يضمن حياة اقتصادية ناجحة تتمشى مع التطور الاقتصادي وبخاصة ما يتعلق بالتعامل البنكي الذي يشهد تطوراً ونمواً سريعاً متجدداً ومتأثراً بالاقتصاد العالمي مما يتطلب اهتمام وعناية الباحثين في علم الاقتصاد.
ومن الواجب على كل باحث علمي أن يحرص على كل جديد، فإن المستجدات الفقهية في العصر الحاضر تأخذ حيزاً كبيراً من مجال البحث العلمي. كما أن القراء أصبحوا يهتمون بقراءة ما استجد من علوم وبحوث وفتاوى معاصرة تعالج الحالات التي جدت في هذا العصر، فالفقه لا يقف عند زمن معين ولا عند حال معينة فمن المسائل ما يتوصل إلى حكمها إما عن طريق ظاهر النص أو مفهوم النص أو بطريق الاستنباط أو بطريق التخريج والقياس. فالله سبحانه وتعالى يقول {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}.
فاكس: 2495486
dr-alhomoud@hotmail.com