التسابق الذي شهده مؤتمر شرم الشيخ لدعم إعادة إعمار غزة، والعدد الكبير من قادة الدول ووزراء خارجيتها على حضوره والتقدم بإسهامات الدول التي كشفت عن دعم سخي من هذه الدول ليس فقط لإعمار ما دمره الإسرائيليون في غزة، بل مساندة قوية للمسيرة السلمية في المنطقة والهدف الذي تقود إليه، وهو إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة اليهود، فقد تابع من حضر المؤتمر ومن شاهده عبر محطات التلفاز، أن هناك إصراراً من قبل من تناول الكلام من على منصة الخطابة على إقامة الدولة الفلسطينية، وكان هذا الإصرار ملاحظاً من قبل الرئيس ساركوزي وبرلسكوني والوزيرة كلنتون.. طبعاً بالإضافة إلى الرئيسين المصري والفلسطيني، وهذا يشكل ضغطاً رهيباً على أية حكومة إسرائيلية قادمة سواء شكلها نتنياهو أو غيره، إذ إن المطلب الدولي بتسريع إنشاء الدولة الفلسطينية سيكون حاضراً ومن أولويات الساسة الإسرائيليين، وليس كما يحاول نتنياهو إشاعة التخلي عن خيار الدولتين واستبدال هذا الخيار بتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين وكأنهم ينتظرون إحساناً خيراً وليس تحقيقاً لحقوق شرعية.
وهكذا فإن مؤتمر شرم الشيخ الذي بقدر ما شكل دعماً اقتصادياً وتنموياً للشعب الفلسطيني فإن الوقفات السياسية أعادت تأكيد التزام الدول المؤثرة في المجتمع الدولي على أهمية تحقيق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني والتي لم يخل أي خطاب لجميع من تناولوا الكلام وتأكيد على أهمية تحقيق السلام في المنطقة العربية وضرورة تعاون الإسرائيليين والفلسطينيين لترجمة آلية إنشاء الدولة الفلسطينية، وبما أن الفلسطينيين هم الجهة الأكثر مطالبة بتحقيق هذا الهدف فإنهم الأكثر استجابة للمطالب الدولية التي تسهل الوصول إليه، حتى أصبح الفلسطينيون لا يملكون ما يقدموه من تنازلات لكثرة ما أعطوا من تنازلات في حين لا يزال الإسرائيليون يواصلون التعنت باستمرارهم بوضع العراقيل لمنع الوصول إلى تسوية سلمية عادلة ودائمة، فكم من مرة اقترب المجتمع الدولي وجهات الوساطة الأممية من الوصول إلى تسوية مقبولة بين الطرفين لا يلبث الإسرائيليون إلا ويجهضوا المحاولة، سواء بشن عدوان مفاجئ، أو خلط للأوراق السياسية، أو حتى الإطاحة بحكومة إسرائيلية قائمة، بحكومة غير مستقرة وإحداث فراغ سياسي يجعل الإسرائيليون عاجزين عن تنفيذ ما يطلب منهم، كما هو حاصل الآن، فإسرائيل تحكمها حكومة ذاهبة والقرار السياسي غير مستقر فهو يتداول بين رئيس حكومة ذاهب وآخر مكلف وهكذا تتبخر الفرص، بل تزداد الأوضاع قتامة حينما يصل للحكم في الكيان الإسرائيلي زعيم متطرف كالمرشح لرئاسة الحكومة القادمة مثل بنيامين نتنياهو، ولهذا ولكي يقطع الطريق على (معاندي السلام) ولتعجيل التسوية في المنطقة التي ستكون لها إفرازات إيجابية على الأسرة الدولية فإن من المفيد جداً أن تتضمن قرارات مؤتمر شرم الشيخ الحالي بنوداً تلزم الإسرائيليين بالتجاوب مع الجهود الدولية لتحقيق السلام في المنطقة وأن يبدو تعاوناً صادقاً وجاداً لتحقيق إنشاء الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل من أجل تثبيت سلام دائم في المنطقة وفق مبدأ الأرض مقابل الأمن وهو ما يحقق الفائدة والخير للفلسطينيين والإسرائيليين معاً.. حتى يكون المؤتمر قد حقق الغرض من إقامته وليس فقط ستر جرائم إسرائيل بإصلاح ما صنعه عدوانهم الأثيم على أهل غزة.
jaser@al-jazirah.com.sa