حين دعوة كريمة من معالي الدكتور مدير الجامعة الإسلامية في الشهر الفارط، أتيح لي أن أصلي في روضة مسجد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وكنت أبحث بين النابهات النشطات من مشرفات المسجد عن واحدة منهن كنت قد كتبت هنا، عن أسلوبها اللافت والمؤثر في توجيه الزائرات قبل أكثر من عام، فإذا بي أفاجأ بها أمامي (ندى العوفي)، تدعوني ورفيقاتها النابهات لمزيد اكتشاف للمنهاج الإرشادي في المسجد النبوي للنساء، فإذا بي أمام مؤسسة من الجهود، ذات برامج وخطط وإعداد وعمل، ودأب وتفان، تبدأ من بوابة داخلية في أطراف المسجد وتدور حتى بوابته المقابلة شرقيها وغربيها، منافذ تأخذ النساء من مكتب المشرفة السيدة بركة بنت مضيف الطلحي مديرة التوجيه والإرشاد النسوي بالمسجد، ولا تنتهي عند الجزأين القائمين لمكتبته النسوية.
وإذا بي في ذاكرتهن منذ ذلك المقال، أعددن لي جملة من الكتب، وشهادة امتنان، وجولة اطلعت فيها على مكتبة الطفل في المسجد فوجدتها معدة بكل تقنيات التعليم الحديث, برامج حاسوب, وأركان تعليم, ووسائل أنشطة جميعها تنصب في تعليم الطفل وترفيهه, من حيث يتلقى مهارات الإنصات والفهم والاستيعاب والتطبيق لما جاء في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-, فما يكسبه في ساعات هنا ما يتعلمه الإنسان في أيام هناك، ثم مررت بأقسام التعليم، فهناك قسم للكتاب الكريم دروسه تجويداً وحفظاً بقراءاته سماعاً واستظهاراً، وهناك السنة تعلما واقتداءً، كما هناك قسم للتوجيه العام بمثل ما هناك قسم للعقيدة والتوحيد والفقه، فمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدرسة مفتوحة أبوابها، مشرعة نوافذها، لم ينس المشرفون عليه أن يتضمن القسم النسائي أيضا قسم المفقودات، ومتابعة شؤون الزائرات، وإلقاء المحاضرات عليهن والإجابة عن أي استفسار لهن، ومرافقتهن عند الصلاة في الروضة الشريفة، أو في أروقة المسجد الفسيحة، كذلك هناك ملحق بالقسم ركن للفتوى..
تجهد النساء نحو الانضمام لهذا الصرح؛ فهو يستقبل الراغبات في التوجيه والإرشاد في المسجد النبوي بعد أن يعدهن خلال عامين دراسيين بكل العلوم الشرعية والفقهية والسنة، في حال أن يكن غير حاصلات على درجة علمية مختصة في العلوم الشرعية، كي يكن مصدراً مؤتمنا على ما يقلن أو يجبن أو يسلكن داخل هذه الحياض المباركة..
كنت فخورة وسعيدة كثيراً بما رأيت، وبما وقفت عليه، وكنت أتمنّى -ولا أزال- أن تتعرف جميع زائرات هذه المؤسسة الإرشادية على ما تقدمه ليس من خدمات يؤجرن عليها فقط، بل علوم تنتفع بها من هن بحاجة لحصاد مثمر، فعندما يلجن بوابات المسجد عليهن الالتفات إلى الأبواب الفرعية التي تتحوط جداره من الداخل، فعندما يقصدنها سيجدن النور والرحابة والعلم والعطاء الذي ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون.. بارك الله فيهن، وتحية للأفاضل هيئة شؤون الحرم النبوي الشريف ولرئيس شؤونه فضيلة الدكتور عبدالعزيز الفالح، وللفاضلة مديرة هذا التوجيه والإرشاد السيدة بركة، ومنسوبات القسم جميعهن, على ما في هذا القسم من التوجيه والإرشاد, ومن عمل دؤوب جاد، ونظام ميسر مفيد وعناصر فاعلة برغبة في العمل والأجر عسى الله تعالى ألا يحرمكم تحقيقه جميعكم؛ نساء ورجالا، والحمد لله على أن وفقكم لذلك.
