لا بد أن أنوه من البداية بأنني لن أتناول كالعادة موضوعاً واحداً تجري محاولة طرحه بأبعاده وأوجهه المتعددة، بل خلافاً لذلك سيكون لقائي الورقي بالقراء لهذا الأسبوع وأسابيع قادمة عبارة عن مواقف متعددة لمجموعة من القضايا الاجتماعية الشائكة التي تحتاج إلى فحص موضوعي وعلاج فعَّال لعضالها.. إلا أنه للأسف لن يسعني هنا (لقلة حيلة الكُتَّاب) أمام تعقُّد هذه القضايا وحاجتها الملحة لتدخُّل من صاحب .....
.....القرار إلا التوقف عندها لإطلاع المسؤول في شأنها ولعرضها على الرأي العام باعتبارها حقاً من بعض ما يجري في مجتمعنا من قضايا الضمير العام التي يجب عدم السكوت عنها أو التستر على أضرارها القريبة والبعيدة على أصحابها وعلى المجتمع ككل -لا سمح الله-.
وهذا يعني أن طرح هذه القضايا هنا سيعطي مجرد لمحة مبسطة قد لا يوفيها حقها في البحث ومساءلة المسؤول عنها، كما قد لا يكشف عن السافر والمقنّع من أوجهها القائمة ولا يُعبّر بما يكفي عن مدى تضرر أصحابها إلا أنه يروم على الأقل التلويح بها لئلا تستصغر أو يستخف بها أو يجري استبعادها من قائمة الاهتمام الرسمي والمجتمعي المطلوب لها.
وإذا كان يُقال عادة في أمر الحرب، وهي واحدة من أصعب القضايا إن لم تكن أعقدها بأنها أخطر من أن تترك في يد (الجنرالات) فإن هذا القول أدعى لأن ينطبق على تلك القضايا الاجتماعية اليومية التي تمس حياة الناس أو شريحة من الناس.. فأصحابها هم الذين يعرفونها حق المعرفة بخبرة المعايشة من خلال الاكتواء بآمالها وآلامها معاً.
لذا فقد رأيت أن أعرض هذه القضايا بأصوات أصحابها لأهمية أن يصل الصوت إلى المسؤول المباشر عن كل منها في مجاله، وأن يعرف بها المجتمع وكل من تهمه مصلحة الوطن والمواطن وحقوق الإنسان لأننا بدون شراكة الرأي وشراكة الشئون والشجون لن نستطيع مواجهة الإشكاليات الاجتماعية.. إذ ليس من صالح الوطن -حكومة ومجتمعاً- أن تتراكم القضايا والإشكالات إلى أن تتفاقم وتتحول إلى معضلات قد تُفرِّخ العديد من المخاطر الاجتماعية التي ربما تتراوح من الالتجاء للعنف لاسترداد حق (ضائع) باليد إلى الشعور بالغبن والغل والضغينة وفقدان الشعور بالانتماء والولاء.. وكلاهما اختيارات حدية يمكن تجنيب الفرد والمجتمع الوقوع في براثينها بالبحث الموضوعي في ما يطرح من قضايا وتقديم حلول عادلة وعاجلة لها وعدم ترك أصحابها نهباً لليأس أو للشعور بالمهانة والاستهانة تجاه قضايا وإن بدت يومية وبسيطة فهي قد تكون قضايا مصيرية أو على الأقل فاصلة في حياة أصحابها.
وإليكم باقة أولى من بعض تلك القضايا:
***
القضية الأولى: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
يقول أصحاب هذه القضية إن شركة (سعودية - أجنبية) قد قامت بتسريح نحو 40% من موظفيها السعوديين الذين يقارب عددهم 100 موظف سعودي من أعلى السلم الوظيفي ممن كانوا يعملون لديها مديرين لبعض الإدارات إلى موظفين في مواقع العمل المختلفة من الشركة بدعوى الأزمة المالية العالمية، إلا أن الشركة لم تكتف بهذه التصفية الجماعية، فقامت بإنكار كل ما لهم في ذمتها من مستحقات، كما قامت بإلغاء كل مايترتب لهم عليها من حقوق والتزامات مالية وتأمين صحي، وما إليه دون سابق إنذار.. بل لعل الشركة في رد (متخبط) على تصريح معالي وزير العمل الاستباقي بأنه لن يسمح للشركات الأجنبية بالتخلص من موظفيها السعوديين بذريعة الأزمة المالية، قامت الشركة بتلغيم خطابات الفصل التي سُلمت لعدد من موظفيها السعوديين برمي لائمة خساراتها برمتها على عاتق عدد من أولئك الموظفين المفصولين.. مقدمة بذلك على ارتكاب خطأ إداري آخر أفدح من الفصل الجماعي للموظفين، وهو خطأ الإساءة السافرة لسمعة أولئك الموظفين السعوديين المهنية كتابياً دون أن تراعي حقيقة أنها قامت باستقطاب عدد منهم من وظائف مرموقة في مجالات مالية عمل بعضهم فيها ما يزيد على عشر سنوات بسمعة ذهبية، وكانوا مثالاً للنزاهة ودقة العمل وإتقانه.
وإذ أضع هذه القضية بأمانة كما وصلت إليَّ بين يدي المسؤول المعني فإن هناك عدداً قليلاً من الأسئلة أرى ضرورة طرحها في هذا السياق منها:
لماذ أمنت هذه الشركة أن تضرب عرض الحائط بأبسط أصول وتقاليد وقوانين العمل والإجراءات القانونية للفصل أو الاستغناء عن خدمة الموظف من تقديم إنذارات أولية لفترة مجزية وضمانات حقوقية للموظفين المفصولين؟
لماذا لا تتجرأ الشركات في الخارج وهي تضطر حقيقة لا تذرعاً بتسريح بعض موظفيها كما حدث في شركات أمريكية كبرى أن تختلق أسباباً غير الأسباب المعلنة للاستغناء عن موظفيها، بينما تستسهل بعض الشركات الأجنبية العاملة على أرضنا الاجتراء على مبدأ الشفافية المطلوبة في مثل هذا الموقف وتذهب أبعد من ذلك بالإساءة المهنية للموظفين السعوديين الذين تمَّ طردهم (وهذا هو المسمى الدقيق) للطريقة التي أُلغيت بها عقود عملهم بها.
أين يذهب هؤلاء الشباب، كيف يطعمون أطفالهم أو يعالجونهم، كيف يدفعون أقساط المدارس، وإيجار المنزل وأقساط السيارة، ومصروف والديهم من كبار السن وقد قطعت أرزاقهم على حين غرة ودون سبب.
من يجد لهم عملاً بديلاً وقد أعطتهم الشركة خطابات فصل تسيء لسمعتهم المهنية؟
من يحاسب الشركة -أي شركة أجنبية أو حتى محلية- تقدم على مثل هذا الفعل المجحف في حق مواطنين سعوديين من العاملين لديها؟
لماذا تستشري لدينا الرأسمالية المتوحشة في أبشع صورها عبر الشركات الأجنبية بينما تتدخل الحكومات والنقابات ومنظمات العمل الدولية لديهم لتحد أضرارها على قطاع العمال والطبقات المتوسطة هناك؟
هل تظن مثل هذه الشركات أنها يمكن أن ترمي جماعياً عدداً من الموظفين السعوديين ممن يملكون الأهلية والمهارات وتستعيض عنهم بعمالة أرخص من خارج البلاد، وتظل بمنأى عن المساءلة وإعادة الحق إلى نصابه؟
***
الأسبوع القادم قضية معلمات رياض الأطفال، وقضية الدبلوم، وقضية الطلاق السعودي، وأطفال اللعان.