كان لي حظ زيارة لمعرض الكتاب مساء أمس وفي أول أيامه، وموقعه هذا العام على طريق الملك عبدالله؛ بجانب مركز الأمير سلمان الاجتماعي.
ولأنني لم أتوقف على جانب الطريق قبل ذلك رغم أنني أعيش بالقرب من الطريق سنوات؛ خاصة الجزء الشرقي من طريق الملك عبدالله ابتداء من طريق الملك عبدالعزيز؛ لذلك لم ألحظ مبنى ثقافيا مميزا ويضيف تميزا لأكبر عاصمة عربية.
وكان وصولي إلى هناك يحتاج إلى (وصفة) خاصة وليس توصيفا عاما!
وبالوصفة أوقفت سيارتي بجانب بوابة مركز الأمير سلمان الاجتماعي، معتقدا أن المعرض هو ذلك المبنى الزجاجي الفخم المجاور للمركز والمطل على الشارع.
ولكن اعتقادي كان خاطئا.
المعرض لم يكن ذلك المبنى، بل صار المعرض عبارة عن (كشك) كبير مندسا خلف هذا (المول) الحديث!!
لا أخفيكم.. كانت هذه صدمة أولى.
حتى الثقافة عندنا أكشاك كبيرة مؤقتة، مثلها تماما الأسواق الشعبية، يتم تركيب (صندقة) وتؤجر، ثم تفكك بعد نهاية العرض.. وطبعا إيجارات الدكاكين فيها بالمتر.. مرتفعة جدا على العارضين، وبالتالي أعان الله جيوب المشترين، لأن أسعار الكتب في المعرض مرتفعة جدا.. وهذه هي الصدمة الثانية. فقد شاهدت زوارا يتفرجون أكثر مما يشترون، مع أن المفترض في مناسبة كهذه أن تعرض الكتب بأسعار مخفضة.
أما الصدمة الثالثة (أقل درجة من سابقتيها) فهي في مضمون المعرض.
من جولتي الأولى: الكتب المعروضة ليست في المستوى المأمول.
الطاغي على المعرض عروض دور نشر لكتب دينية، أما العلمية والثقافية الأخرى فقليلة. هذه من ناحية. من ناحية أخرى: لماذا كتب دينية لمؤلفين قدماء جدا أو عصريين ألفوا للتجارة بالجيوب فقط أكثر منها مزود ثقافة؟!
خلاف كتب تتوقف عند قراءتها الأدمغة.. مجرد حروف هجاء رصت، كان لها زمن يضيف شيئا من المعرفة إلى أدمغة الإنسان العربي المتخلف حينذاك. اليوم العقلية تختلف.. فلماذا نجتر كلاما عفا عليه الزمن في الفكرة والأسلوب؟
حتى لا يُفهم كلامي خطأ: لا أقصد العلوم الدينية بذاتها، بل أقصد طريقة تناول المادة.. وشكل الكتاب.. لم يتغير غلافه ولا خطوطه ولا فكرته ولا أسلوبه.. مجرد تكرار في الطباعة؛ لأن الناشر يعتقد أن القارئ السعودي يغلب عليه القراءة بأثر رجعي ويحب الكتب الدينية.
ربما انطباعي هذا لأنني لم أمكث طويلا في المعرض لأتفحص عروض كل دار نشر.. لكن من الجولة العامة على كل دور النشر العارضة في معرض الكتاب بالرياض عام 2009م، لم أجد كتابا إسلاميا حديثا يغني عن مجلدات زمان، ليشبع ويضيف فكرا إسلاميا متطورا.. وكما أقول دائما: (مع بقاء الأصل) ولكن على العقلية الإسلامية أن تتحرك إلى الأمام، لا أن تتجمد عند فكر مؤلفين عفا عليهم الزمن، ولا يضيفون للقارئ أو طالب علم اليوم أي إضافة تطويرية للفكر والعقل بشكل عام.
لذلك أنصح الزوار الكرام بأن يكتفوا بجولة سريعة، وأن يتوقفوا كثيرا عند أهم وأبرز مكتبتين سعوديتين: العبيكان وجرير، ففيهما من الكتب الرائعة ما يغني عن بقايا مستودعات دور النشر العربية التي نعيش في الوطن العربي أثر استقاء المعرفة منها!
العبيكان وجرير.. داران للنشر فيهما من الكتب القيمة جدا، وعروض متقدمة بمراحل عن دور النشر العربية التي توقفت عند نقطة من تاريخ الأمة العربية أمس.
الغريب أن الدور العربية لم تتغير: نفس الكتب ونفس الكتاب.. إلا ما ندر.. والقليل النادر الجميل لا يصل إلى هنا، ويبدو أن الناشرين يتقون عرقلة التشديد على الكتب القادمة إلى السعودية من الخارج، متى كانت بطريق واضح ورسمي.
فيما نفس الكتب التي يعتقد الناشرون أنها ممنوعة هنا أو قد تسبب مشكلة في الإفساح (لأنها لا بد أن تمر على عقول متسعة المدارك لتجيزها!!)، والحقيقة القارئ الراغب النهم في قراءة الكتب والباحث عن المعرفة يشتريها من مكتباتها خارج المملكة ويدخل بها بشكل طبيعي دون معاناة من رقيب قصير النظر!
وإن لم يكن، فأمام كل قارئ فرصة الاطلاع بحرية كاملة من خلال الإنترنت.
وكل نت ومعرضنا بخير..
لي زيارة أخرى.. وربما يكون لدي رأي آخر.. طبعا لن يكون مخالفا لكل ما ذكرت. إنما قد يكون هناك مستجدات إيجابية في طريقها إلى المعرض، خصوصا أن زيارتي للمعرض كانت في اليوم الأول. ودكاكين الكشك الكبير لم تقدم بعد كل عروضها.
والملاحظة الأخيرة: عدد المتفحصين (لا أقول المراقبين) أكثر من الزوار.. مهمتهم التنقيب عن سطر أو عنوان مخالف!
وأعتقد صناعة النشر اليوم أذكى بكثير من الفاحصين.. يكفي النت، ومن يبحث عن كتاب سيجده في أي مكان.
طبعا كما هو حال الجميع بدون استثناء، لست مع الكتب الماجنة أو الكتب صانعة الإرهاب.
الشيء الجميل الذي يستحق أن يذكر: افتتاح المعرض من العاشرة صباحا إلى العاشرة مساء يوميا كسوق مفتوح للجميع الفرق بين رجال ونساء.
والجميل الآخر: الاستعلامات في المعرض أصبحت إلكترونية: يعني يمكنك البحث عن كتاب من خلال الكمبيوترات المنتشرة في أرجاء المعرض.
وعلى كل: المعرض أفضل مساحة من الكشك السابق.. لكن السابق أفضل كتبا من الحالي - حتى الآن -!!
عبدالله العميرة
رئيس تحرير مجلة parents العربية