الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومنَّ على عباده فأنزل على رسوله القرآن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن القرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي بل هو أعظمها فعليه تبنى مصادر التشريع الباقية، فهو أحسن الحديث، وأصدق الكلام، وهو المعجزة الكبرى، والهداية العظمى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي التطبيق العملي لما في كتاب الله تعالى سواء كانت قولا، أو فعلا، أو تقريرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولهذا اعتنى الصحابة رضي الله عنهم بهذين المصدرين العظيمين عناية جليلة، فتلقوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودونوه، وتدبروا آياته، وتعلموا أحكامها وعملوا بمقتضاها ثم حفظوها.
والمملكة العربية السعودية من حين نشأتها وهي بحمد الله وتوفيقه لها قصب السبق، وذروة المجد في الاعتناء بالقرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة قديما وحديثا فقد اتخذتهما منهجا، وأساسا لشؤون الحياة، ونظام الحكم ودستورها الذي تحكم به، وتدعوا إليه، وتعمل به، وقد توالى على ذلك ولاة هذه البلاد المباركة، وعلماؤها ينصرون هذا الدين، ويولون كتاب الله، والسنة المطهرة جل اهتمامهم وتشجيعهم، والدعوة إلى تطبيقهما قولا، وعملا اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم، والسلف الصالح من مسلك قويم، واعتقاد صحيح إلى أن جاء مؤسس هذا الكيان الشامخ الإمام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - فنهض بالتعليم نهضة مباركة طيبة، وأرسى دعائم النهضة التعليمية، وأسس نظاما تعليميا منظما شاملا مبنيا على كتاب الله والسنة النبوية المطهرة فأسس أول مدرسة نظامية لتحفيظ القرآن الكريم في عام 1367هـ بالمدينة المنورة باسم معد القراءات، ثم أسس في مكة المكرمة مدرسة أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن في عام 1371هـ، ثم تعاقب من بعده أبناؤه البررة من الحكام والأمراء لخدمة كتاب الله والسنة النبوية المطهرة، فكانت لهم مناقب محمودة وفضائل مشكورة في ذلك حيث أنشأ الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - أول مدرسة نظامية لتحفيظ القرآن باسم مدرسة تحفيظ القرآن الكريم المتوسطة الأولى بالرياض في عام 1383هـ. كما أسست في عهده أول جمعية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة عام 1382هـ، وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - أسست أول جمعية خيرية لتحفيظ القرآن في المدينة المنورة عام 1384هـ، كما أسست بأمر منه جمعية خيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الرياض عام 1386هـ.
كما أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بثاقب رأيه، وبعد نظره ضرورة خدمة الإسلام والمسلمين، والمحافظة على دستورهم كتاب الله العظيم، فأنشأ رحمه الله وأجزل له الثواب العظيم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة الذي أصبح معلما بارزا، ومنبع خير فقام بطباعة المصحف الشريف بطباعات أنيقة مدققة، وبأشكال جميلة متعددة، وبلغات متعددة فنفع الله به الإسلام والمسلمين، وأصبح يوزع نسخ المصحف الشريف بالملايين في جميع أنحاء العالم للمسلمين، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده أن هيأ لهذا الدين من ينتصر له، ويحفظ له أصوله، ومصادره، فقد تكفل بحفظه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
ولذلك سخر الله ولاة هذه البلاد المباركة وهيأهم للاهتمام بكتاب الله والسنة النبوية المطهرة، فأنشأوا مدارس تحفيظ القرآن، والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، والجامعات التي تعنى بالعلوم الشرعية ولا سيما علوم القرآن، والسنة، بل أنشئت كليات باسمها، وأنشئت التخصصات الدقيقة في مراحل الدراسات العليا للماجستير، والدكتوراه للعناية بالكتاب، والسنة، وعلومهما، وكان من ثمرات تلك المؤسسات التعليمية، واللجان المتفرعة عنها، أن انبثق عنها إقامة الندوات، والمحاضرات، والمؤتمرات، والجوائز، والمسابقات المحلية، والدولية التي لم تقتصر على الناشئة والمبتدئين، بل شملت طلاب العلم والعلماء المحققين البارزين، فنشطت حركة البحث العلمي وأثرت جهودهم في المكتبة الإسلامية بالبحوث العلمية الدقيقة، والمراجع الأصلية.
وإننا بحمد الله وتوفيقه نلمس ذلك بارزا ومتحققا في مسابقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية للطلاب والطالبات التي بدأت تشق طرقها وأخذت تتطور، حتى أصبحت من أبرز مسابقات القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة وكم كنا نتمنى أن يتحقق مثل هذه الجائزة المباركة.
إن هذه المسابقة وغيرها من المسابقات والجوائز المباركة التي يقيمها ولاة الأمر دليل على حبهم للخير وفقهم الله، وحرصهم على تنشئة شباب المسلمين تنشئة إسلامية، ولقد حققت مدارس تحفيظ القرآن، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات العلمية التي تحتضن هذه المسابقات والجوائز المباركة بتوفيق من الله أهدافا سامية فشحذت الهمم، وغرست محبة القرآن والسنة.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على إقامة هذه المسابقة، وعلى ما يقدمه للإسلام والمسلمين في جميع المجالات أحسن الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته يوم لقائه، ورفع الله قدره ومنزلته في الدنيا والآخرة، ومتعه متاعا حسنا، وأمد في عمره في طاعة الله، كما أسأل البارئ سبحانه أن يجزي القائمين والمشرفين على هذه الجائزة وعلى رأسهم المشرف على هذه المسابقة وكيل الحرس الوطني المشرف العام على المسابقة على هذا الجهد المبارك والإنجاز العظيم، والترتيب الجيد أحسن الجزاء وأوفره، وأسأل المولى جل وعلا أن يمدهم بعونه وتوفيقه، إنه سميع قريب مجيب.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء